كان كل شيئ على ما يرام من الدراسة بنجاح في الثانوية إلى الالتحاق بفرع جامعة المنطقة التي من الطبيعي أن يتخرج منها حقبة ثانوية يحيى الشرعيه والأدبية..
فهي تمهيدٌ مخصص لجامعة المنطقة مقارنة مع غيرها من الثانويات الأخرى العلمية لمن يريد المواصلة وكان هاجسه في البد لة العسكرية المفخرة وليس التمحيص في المذكرات والبحوث، وفجأه وبعد مضي سنة في الجامعة أمره والده أن يترك كل شيئ ويذهب مع قريبة الحريص لشرق الوطن فقد يحصل له على وظيفة تختصر له المسافات والسنين فلم يستطع أن يرفض رأي أبيه وفي نفس الوقت أدرك أن منتهى الانبساط أن يحصل على الوظيفة بكل يسر وسهولة ليتدرج في متطلبات الحياة بسرعة على الرغم من أمنيته الأبدية بالتخرج من الجامعة ولكن الفوز بالترجيح كان للأب صاحب النية الطيبة. وعند صباح يوم مشرق غادر المكان تاركًا وراءه دعوات الأم وأمنيات الأب وملفه الجامعي القابع تحت وطأة أقرانه الخضر لايدري مامصيره بلا وداع وبلا تنبيه أو عذر!! كان كل شيء في الشرق جميلاً ينبئ عن حياة أخرى فقد سبح في البرك، وسعد لأُنس الشرقيين بالبر وهضابه، وابتهج برؤية الرمال وهي تحتضن بعضها بعضا وكأنها حبيبين هائمين لتكّون تل قد ينهد في لحظة يحس أن هناك رياح لا ترحم ،رأى كبار القوم يتحلقون في مجلس (الشيخ) كل جمعه لينعموا بالحديث والطعام ومعرفة الرجال، عرف لأول مرة لحم الأرض الموسمي وشغف أهل المكان به والأحاديث التي لاتنتهي من بداية اصطياد ذلك النبات العجيب إلى التهامه بكل تلذذ! تمر الأيام والأسابع وليس هناك بوادر للوظيفة المنتظرة ،فقرر أن يجمع قواه ويبادر قريبه المخلص ليسأله مامصير الوظيفة المنتظرة؟ وقبل أن ينطق سبقه قائلاً لقد وعدني الشيخ بشيء ما؛ وفعلاً هناك شيء ولكنه وعد مغلف بالمستحيل ،لتمرالشهور دون أن تكون هناك حتى بوادر من بعيد وكأن الأبواب أُقفلت بالحديد في وجهه وكأن الله أراد له فصًلا آخر. وفي ليلة قرر أن يرحل وفاتح من حوله مِن من يريدون الخير له والغصة تختلطهم بالدعوات. عاد يحيى وفي جعبته رضا نسبي أنه أدى ماعليه وفي المقابل هناك بوادر أن يواصل تحقيق مبتغاه في الدراسة الجامعية هذا فيما إذاوافقت إدارة الجامعة على العودة،وبعد غياب طويل تقوقع على مقعد العلم دون أن يعترضه أحد أو يكتب اسمه في دفتر العائدين مجرد أن قال أريد المواصلة قالوا له مرحبًا ألف ! كل من حوله فرحوا بمواصلته دون أن ينصحوه أكاديميًا، حينها أراد أن يملئ الدنيا فرحاً ويعلن أنه في طريقه الى تحقيق الأماني ، اجتاز فصل دراسي واثنين وثلاثة وفي الرابع وفي يوم ما يبدوا جميلاً في جوه الماطرولايبدوا كذلك في تعكير صفو الطالب الطيب يحيى فعندما أراد الدخول إلى قاعة المحاضرة انتابه شيئ من الخوف المسبوق برجفات غريبة، ولكنه قرر أن يبدأ المحاضرة بإنصات بدلاً من هذه الأفكارالسوداوية، الدكتور شعبان المغطى بالشال الابيض على رأسه الذي يتعدى حاجبيه بسنتيمترات ووجهه الممتلئ بالشعر الأبيض اللامع وكأنه بات ومازال في كومة من ثلج أوربا الجميل، بدأ المحاضرة باستعراض علمه وقدرته في تفصيل الحديث النبوي الشريف وكل شاردة وواردة فيه من سنده إلى متنه وتواتره وفجأه طُرق الباب وانقطع حديث الحديث فامتعظ الدكتور الأزهري وكعادته عندما يعكر صفو محاضرته أحد، فقابل الطرق قائلاً (مين عل الباب) بتفخيم باء الباب باللهجة الصعيدية الجميلة، فإذا بورقة تتسلل إلى أصابع الدكتور دون أن ُيعرف حاملها أو مرسلها فارتجف قلب يحيى الطيب وهو لايدري لماذا..؟! ليقرأها قائلاً الطلاب التالية أسمائهم عليهم التوجه إلى شؤون الطالب لأمر ما وكان اسم يحيى من بينهم وقبل أن يصلوا دارت الأفكارالمتشائمة من جديد مثل بداية اليوم ،ولكنه استدرك وقال لعله خير، تجّمع الطلاب أمام باب شؤونهم يبدو أنهم بالعشرات وتمتم الجميع فيما بينهم مادين راحتي أيديهم مستغربين هذه (البرهة)الغير مبررة من إدارة شؤونهم، ليصيح فيهم الإداري المفوض قائلاً أن الجميع مفصلوين فصلاً قاطعاً ومن أراد أن يعرف لماذا فعليكم أن تصفوا بالدور، فصك دوي ردهات الجامعة بكلمات أغلبها لماذا لقد تعبنا وسهرنا واجتهدنا وفجأه يسحب الأمل من أمامنا على عقبيه ويحيى لم ينبس بكلمة واحدة فاتحاً فاهاه وكأنها اللحظات الأخيرة في حياته وكأن البيت الذي بناه ينهد أمامم عينية‘وكأن أمنيته أصبحت كومة من قش مبعثرة تنتظر من يضعها في المكان المخصص لها ‘ ولكنه استطاع جمع شتاته وخطى خطوات مرتعدة الى الموظف مستفسراًعن ماذا حدث فأجابه بعد أن بحث عن تاريخه الجامعي وقال بصوت يكسوه الشفقة أنت لم تسطع أن ترفع معدلك معدلك التراكمي ولديك من الإنذارات ثلاثة تأتيك في كل فصل جامعي فأجبه يحيى ولكنها لم تأتني ، فلم يرد عليه مديراًرأسه لمن عليه الدور وهذا كله قبل أن تضع المعلومات الالكترونية أوزارها والا لكان يحيى المصدوم أول العارفين بما له وماعليه بظغطة زر واحدة،خرج يحيى من البهو الجامعي وبين أضلعة الكثير من الحسرات والحزن والضيق ،ومن هول الصدمة نسي أوتناسى كتبه ومذكراته وقبل ذلك نفسه ،واطلق العنان لقدميه الى المجهول وشوارع المدينة،يلوم نفسه ولائمئها متسائلاًهل أنا السبب في هذا الإهمال بعدم سؤالي عن الإنذارات المفيدة بأن عليك الاستعداد للرحيل….!
أم أن الرجوع الى الجامعة بعد انقطاع يتوجب أن أبدأ من الصفر لإن الانقطاع لفصلين متتالين يهد جبل فمابالك بمعدل تراكمي لايعترف الا بماأمامه من حضور…!
أم أن الجهل والاعتماد على المعدل الفصلي الممتاز أورده المهالك! وفي طريقه الى تخطي الشارع كادت سيارة عابرة بسرعة جنونية أن تبتلعه هو وحزنه الى غير رجعه،لتطرحه أرضاً ليقف بعدها ولكن بشيئ من كدمات عابرة فقال في نفسه قد تكون حادثة الجامعة ومعدلها المترنح شبيه بسقوطي هذا واستطاعتي الوقوف مجددً رغم الجراح الطفيفة ، ليجد نفسه عند باب المسجد الصفير في حجمه الكبير في رسالته،والمؤن الهرم في كل شيئ الا في قلبه العامر بالايمان ينادي بحي على الفلاح فتيقن يحيى أنه أسمى فلاح وأعظم نجاح والباقي كلها نجاحات وانتصارات دنيوية قد تتعوض.
وواصل يحيى الحياة ولكن بشيئ من انكسارات وأخطاء لتحطم أمنية الأمنيات..