بين الجلود ترعرعوا. رائحة الدّماء اللّاذعة ألحقت بأدمغتهم ضروبًا متنوعة من الضَّرَر…
لكلّ منهم تصوّره الخاص عن ماضيهم المشترك، هذا الماضي الذي أثّر عليهم بطرق مختلفة، وكان حجرًا أثقَلَ ما وقع عليه من كفّة في موازينهم، وأرجحهم بذلك نحو الشّر أو الخير أو كليهما…
قصتهم شغلت الكثيرين، وعلقت عباراتهم المتكررة في الأذهان حتى كادت أن تصبح اتجاهًا عامًا. فمن هم أولاد بديعة؟ وما سبب شهرتهم؟.
بادئ ذي بدء، علينا الاعتراف أنّ صنّاع العمل نجحوا في التّرويج له قبل فترة طويلة من عرضه، واستخدموا في سبيل ذلك العديد من الطّرق، فحينًا بتركيز قويّ، وأحيانًا بتمهل ورويّة، أحكموا شِباكهم حول عدد لا بأس به من المترقبين والمتحمسين.
ولكن ومع بداية العرض، اكتشف المتحمسون أنّهم لا يعرفون شيئًا عن العمل، وأنّ ما رسموه في مخيلاتهم بعيد نوعًا ما عن القصة الحقيقيّة، إذًا لماذا استمرّوا في المشاهدة؟.
رأينا أنّ التّرويج الاحترافيّ المسبَق، بما فيه من أسماء جذّابة قد وضع حجر الأساس لشهرة المسلسل الدّرامي ولاد بديعة، فما هي العوامل اللاّحقة؟ سنتعرف إليها بالتفصيل فيما يلي.
عندما نتحدث عن عمل سوري كامل، سنضع جانبًا جماهير الأعمال المشتركة التي نالت الكثير من الاستحسان والانتقاد على السّواء، فهذا يخالف ما اعتادوا عليه في السّنوات السّابقة، وربما لن يعجبهم.
ومن جهةٍ أخرى، فإنّ بطولة العمل -كما تبين- جماعيّة، ولا تعتمد حبكته على ممثل واحد ليحملها على عاتقه ويطوّرها جاذبًا مُحبّيه ومَن يثقون بما يقدّمه. إذًا فهذه نقطة أخرى ذات حدين.
الآن لدينا عاملين مُهمّين يؤثّران في العمل باتجاهين مختلفين، مرّة بالإيجاب، ومرة بالسّلب.
فكما يهرب البعض من العمل المحلي الخالص، فإنّ البعض الآخر يفضلّونه على الأعمال المشتركة.
وكما يوجد مَن يتابعون لأجل فنانهم المفضّل ودوره القويّ، هناك أيضًا مَن يتابعون لأجل القصة بجميع أقطابها.
وبذكر القصة، قد أبدعَ كاتباها فيها، فقدّما لنا فكرة جديدة في نصّ مشوّق، ولم يهملا عوامل الجذب الشّعبيّ الحاليّة، من جرعات الحماسة العالية الموزّعة بمهارة على الحلقات، وكذلك عنصر الإبهار الذي تكاد لا تخلو منه جزئية واحدة، وبالتّأكيد الصّراعات النفسيّة والجسديّة ذات الأسباب المقنعة، والاصطدامات المتتالية التي تبدو الواحدة منهنّ ذروة بمفردها، وربما بعض العنف القاطع للأنفاس أيضًا.
ولم تكن القصة لتخرج بهذا الشّكل المُتقن لولا تفاني المخرجة واهتمامها بأدقّ تفاصيل ما تفعله، فرسمت شخصياتها وكشفت جوانبهم بسلاسة وبالتّدريج العادل لهم، فلم توجّه جمهورها نحو حب أحدهم وكره الآخرين، بل أفسحت المجال أمام المتابع ليتعرف إلى الشّخصيات ويتعامل معها كما يحلو له، ولعلّها أرسَت دعائم نجاحها منذ البداية بحُسن اختيارها للممثلين اللذين أدّوا أدوارهم بحرفيّة عالية، وساهموا كلّ من موقعه في إتمام العمل، جنبًا إلى جنب مع سائر الكادر العامل من فنيين واستشاريين وغيرهم، وهؤلاء ما كانوا ليقدّموا أفضل ما لديهم لولا الرّؤية الإنتاجيّة المُساعِدة غير المُحبِطة.
إذًا فكل هذه العوامل ساهمت مجتمعةً في رفع اسم العمل، وجعله الأكثر تداولًا في فترة قياسيّة، وبالرّغم من التّنافس القويّ عربيًّا في موسم يزخر بالكثير من الأعمال الجذّابة ذات الميزانيات الضّخمة مقارنةً بما حظي به أولاد بديعة.
وفي الختام علينا ألّا ننسى الدّور المهم الذي يلعبه محبيّ أولاد بديعة في الإشهار بالعمل ومدح مميزاته وكذلك انتقاد نواقصه، والدّفاع عنه بشراسة وكأنه عملهم الخاصّ!.