عقيدة كاتب يسطرها التاريخ مع عظماء الأدب العربي:
العقيدة الأدبية للكاتب الفذ الذي دون في صفحات التاريخ وعلى جدار الزمن ملحمة الحب ورسالة السلام في زمن الحرب .
الحب والسلام في زمن الحرب هي رسالة كسر العُقد المتوارثة وتحدي المستحيل وعقيدة الكاتب الفذ محمد إسماعيل لمجرد الغوص بين نصوصه ستجد حروفه قائلة لك : ( أخلع نعال مسمياتك الدوغمائية وأدخل بطهارة طفل لم يبلغ العامين ) . أرمي جواز سفرك فلا حدود تستطيع إيقاف عاشقين رَقَصاً على أصوات المدفعية، وراقصا الحب في زمن الحرب والطائفية والضبابية العقلية، هكذا نسج الكاتب المصري محمد إسماعيل حروف روايته ” أسرى غُرف الضباب” وكأنهُ يخبرنا بأن الزمان زمانه والحرف هو صُلب روحية وإبداعه الأدبي والفلسفي، يُخرجه ليحطم التكهنات الأدبية التي يبتعد في الخوض عنها الكثير من الكُتاب خوفاً من عاقبة ردود أفراد مذهباً أو ديانة ما ( سنية ، شيعية، يهودية، مسيحية، مسلمة ) ولربما خوفاً من عدم إيجاد جمهور. وقد يكون خوفاً من الخوض في التجربة الأدبية التي لم تكن قد أكتملت أركانها لغياب بعض أجزاءها وفقدان السلاسة التعبيرية لملكوتهم الأدبي.
قد تُعتقل لفكرك التنويري وإنسانيتك المُحبة للتعايش مع الجميع و قد تصبح المنبوذ في مدن الضباب فأنت لم تطبق قاعدة كن معي أو كن عدوي ولا تقف في المنتصف لتدعو لسلام وتعايش الكل مع الكل، قد تُنفى وتُصلب وكأنك مسيح الزمان و خطيئتك أنك تحمل في جنباتك الحب فقط ولا تحمل أيديولوجية أباطرة الشر وشياطين الزمان، فالنهج الكتابي الحر يهب كل ما يمتلك للكاتب الذي لا يهتم لعاقبة الأمور عندما يتعلق الأمر بكيفية خلق الشيء من لا شيء .
أسرى غُرف الضباب
رواية بطابع ملحمي سردي كلاسيكي فلسفي مغاير عن معظم الروايات الحديثة والقديمة سطر بين طياتها الكاتب الروائي المصري (محمد إسماعيل ) .
قصة العشق الاسطوري ومغامرات وبسالة ورحلة الكفاح الفكري الثوري للمفكر التنويري العراقي ( فرقد الأغا ) حيث ستجد قصة الحب النابضة في زمن الحرب لتبعث الأمل والسلام للأنسانية، ومع استمرارية زهرة الحب في الحياة سينبثق الحب من فوهات المدافع، تراه يتسلل بين الحدود التركية والسورية بين الجبال والوديان متحدياً كل الصعوبات والمخاطر ومجتازاً لكل العقبات متحصنًا ببسم الله المعين إله الحب والجمال والسلام .
من المؤلم أن تُكفر فقط لأنك تقطن في مدينة يعتنق سكانها مذهباً ما رغم مغايرته لعقيدتك وترفض لمجرد افتراءات لا تنتمي لك، ستُحارب وكأنك حفيد الدجال أو أبن الشيطان وهم ملائكة الزمان، سيُحكم عليك بالسجن كيوسف الصديق وجُل ذنبك إنك كنت إنسان أدرك معنى الإنسانية وتدعو لها وتسعى لأن تملأ الأرض بشذاها، ستجد نفسك وحيداً على هامش الحياة ولكن بعد بُرهة ستدرك أنك لم تكن وحيداً فالحب يُحيط بكل مكان و أرض تطأها ليكون أنيسك في سنين الوحشة والغربة .
نقد تحليلي لرواية أسرى غُرف الضباب :
الأسلوب السردي :
كان الأسلوب سردي ممزوجاً بالبلاغة الأدبية والواقعية السردية مُتبعاً الموضوعية للمعنى والفلسفة المغايرة للنص التقليدي، سلاسة الوضوح بين المزج البلاغي والفلسفي أوجدت نهجاً مغاير عن الأسلوب الشائع في السرد الروائي المتعارف عليه والمحبب للكثير من الكُتاب لتسهيل الفهم للقارئ من جهة نظرهم، سالبين العمل الأدبي في الرواية الروح الفلسفية والتقنية المعاصرة التي تمتاز بها الرواية عن باقي الأجناس الأدبية، التعدد في صياغة المعاني الفلسفية ووضع قفل حصين لشفرات الرواية من جهة ومن جهة آخرى ترك للقارئ حرية اكتشاف المعنى الحقيقي للنص بمفرده .
اللغة الحوارية:
اللغة الحوارية وأن كانت أقل إستخدام بين الأعمال الأدبية الروائية لكن لا تقل أهمية حين استخدامها واختيار الكاتب لغة حوارية معينة ( اللهجة العامية ) لعمله هو قرار يختص به وله أبعاده على العمل بخلاف لغة الحوار في رواية ( أسرى غُرف الضباب ) فقد مزج الكاتب بين العربية الفصحى واللهجات العربية الشعبية مما فرض معادلة مغايرة ونهج حواري شيق يجعل القارئ يتلذذ بجمال اللهجات العربية المتاحة أمامه واللغة البيضاء التي تشعره بقوة العمل وقدرة الكاتب الإبداعية والقدرة العالية في عمله الكتابي .
حبكة الرواية :
للوهلة الأولى سوفَ تظن بأن حبكة رواية ( أسرى غُرف الضباب ) تقتصر على الحب والتضحية لأجل الحب والمحبوب ولكن في واقعها هي عبارة عن عدة أحداث متداخلة مع بعضها البعض ومترابطة كبناء الهرم قام بحبكتها، فهي تظهر حب الأرواح النابع من الجوهر الروحي للإنسان قبل كل شيء وأسلوب التضحية للمحبوب وفي طريق الحب تظهر لنا مآسي الحروب بالأوطان والتأثيرات النفسية والاجتماعية وانعكاساتها التي نتجت من تلك المآسي ودموية الإستغلال في تلك الفترة الدامية التي تمر بها الأوطان من قبل بعض أبناء جلدتنا وكيف ينظرون للإنسان على أنه عائد مادي ربحي، وكيف ستجد أنه لن يغفر لك أن كنت تعيش في مدينة بها أكثر من مذهب أو عقيدة ربما تُكفر أو تُقتل لأنك تعيش بتلك المدينة حتى لو لم تكن تنتمي لهم عقائدياً أو فكرياً كل ذنبك سيكون أنك كنت تقطن بذلك المكان وترى الإنسان على أنه إنسان بإنسانيته وليس بمذهب متبع، ستعبر الحدود وتنام بين دوي الطائرات وقصف المدافع والحيوانات المفترسة هو أهون من البقاء بين وطن دائم الحروب، ومُثيراً للقلق والتوتر والخوف والهلع والتشبث بالأمان.
الحب والحرب والضبابية العقلية والإستغلال والتجارة بأرواح البسطاء والذل والهوان والتعصب الديني والطائفي والحكم على البشر بمسميات لا كونه إنسان هكذا حبك الكاتب رواية ( أسرى غُرف الضباب ) وصاغها بتقنية حديثة متمرداً على الحبكات المحدودة بين أمرين ما .
أفكار الرواية:
أن أكثر ما يميز جميع الأعمال الأدبية والفنية هي الأفكار التي تخلق العمل نفسه، فالكاتب المتمكن من حرفه يستطيع صنع الفكرة المتعارف عليها إلى فكرة ناصعة الأناقة الأدبية وكما هو الحال في رواية ( أسرى غُرف الضباب ) فقد أعطى الكاتب النموذج المغاير في صياغة الأفكار وطريقة نقاشها مبتدأ من الحب سائراً بنا إلى مسار جديد في نفس سياق الحب وهو التضحية وكسر الحدود و الإستغلال و كيفية تناول الضبابية الطائفية التي عمت الأعين وشوهت النفوس وعاد بنا إلى نقطة البداية في سرد الأفكار ليعود بنا من جديد إلى نفس المسار بأفكار آخرى ومعالجات حياتية أخرى ورصد قصص أبطالها كثيرين و ضحاياها كثيرين، ليعود ليسطر ملاحم بطل الرواية الذي أجتمعت جميع الأقدار حوله ليجسد المعاني التي عاشها وتُنقل لنا في أسرى غُرف الضباب، نسج ادبي وتوثيق تاريخي مزيج فريد من نوعه .
بقلم : ضياف درويش