من ذاكرة الطفولة

( من ذاكرة الطفولة )
كتب مروان باردمان.

الطفولة هي المرحلة الأولى من العمر الذي يعيشه الإنسان منذ المهد حتى الحلم.
ومراحل الطفولة كثيرة ومختلفة يمر به الإنسان ويتدرج بمراحل النمو التالية:
الطفل الصغير
الطفولة المبكرة
الطفولة المتوسطة
مرحلة المراهقة ماقبل البلوغ.
ومراحل النمو التي ذكرناها سلفاً جميعنا مر به فهي ثابتةٌ لا تتغير لكنها تختلف نوعاً ما من طفلٍ لأخر من حيث البيئة المحيطة للطفل،
ونمط العيش، وتختلف أيضاً من طفل لأخر، ومن أسرة لأسرة، ومن فئة لفئة حسب مكانة أسرة الطفل الإجتماعية وإمكانياتها المادية وأوضاعها المعيشية.
فمنهم من عاش طفولته يتيماً فاقداً لأحد أبويه، أو فاقداً لأبويه معاً.
ومنهم من عاش طفولته مريضاً أو تعرض لحادث سير جعله مستلقياً على فراشه فاقداً للأمل يتمنى الموت.
ومنهم من عاشها بعيداً عن أهله مشرداً في الشوارع ضحيةً لإنفصال أمه وأبيه وعاش طفولته محروماً من عطف أبيه وحنان أمه.
ومنهم من أجبرته ضروف أسرته لترك المدرسة ولجأ للعمل لتوفير لقمة حلال وهو في عمر الزهور.
ومنهم من تَهيئة له الأجواء وعاش طفولته كلها كما يحب وعلى مايرام بأكمل وجه ومن أفضل مايكون.
وووو…….ألخ.
وهذا هو الإختلاف الذي أقصده، إختلاف في نمط العيش مابين جميع الطبقات الإجتماعية وطرق التعايش والتكافل الأسري.
إختلاف في المكانة الإجتماعية وضروف المعيشة والبيئة المحيطة.
إختلاف المكان والزمان.
إختلاف في الأوضاع الصحية والمشاكل الأسرية ومدى تأثيرها سلبياً على الطفل من الناحية النفسية والجانب الإجتماعي.

فبيئة أطفال الأغنياء ليست كبيئة أطفال الفقراء والمساكين بقية الطبقات الإجتماعية، الطفل الغني تتوفر له كل الإحتياجات وكل المتطلبات اللازمة قبل أن يخلق على هذه الدنيا ببضعة أشهر، بينما الطفل الفقير يفتقر للعديد من الأشياء اللازمة التي يحتاجها كطفل، ويختلف الوضع من طبقة إلى أخرى.

أنا هنا لن أضع مقارنة مابين أطفال الفقراء وأطفال الأغنياء وإنما المقصود بذلك هو كيف يعيش كلاً منا طفولته وفق الإمكانيات المتاحة له وكيف يتكيف على ذلك.

وفي طفولتنا قصصٌ كثيرة لم تكتبها أقلامنا، ولحظات عديدة لم ندونها في سجلات تاريخنا، لكن هناك مواقف لا تُمحى من أرشيف ذكرياتنا ويصعب علينا نسيانها أو تجاهلها، لأنها أصبحت راسخةً في أذهاننا.

قضينا طفولتنا مع الأهل، ورفقة الأقارب، وصحبة أصدقاء العمر، قضينا فيها أحلى الأوقات، وعشنا معاً أجمل اللحظات، وأروع الذكريات.
قضينا طفولتنا بشغفٍ كبير، وبراءة منقطعةالنظير، وشقاوةٍ مطلقة،بقلوبٍ نقية وطاهرة.
فكانت ضحكاتنا وصراخنا تملئ المكان،
وكانت شقاوتنا وشغفنا تعبر عن سعادتنا التي يصل صداها إلى عنان السماء.
قضينا طفولتنا ونحن لا نعلم بأن الوقت سيمضي والأيام ستمر علينا بلمح البصر
وسيأتي يوم نتذكر كل اللحظات التي عشناها في طفولتنا تارةٍ نبتسمُ فيها، وتارةٍ نحزن، وتارةً نتأثر من أعماق قلوبنا وصميم وجداننا
حينها لم نستطع أن نتحكم بمشاعرنا أو نسيطر عليها، فنترك المجال لأعيوننا هي من تعبر عن مافي داخلنا من نحيبٍ وألم بدموعٍ تنهمر كقطرات المطر.
.

بإختصار شديد الطفولة أجمل مراحل حياة الإنسان، يتمنى كلاً منا أن تعود مجدداً لكن ذلك مستحيل أن يحدث ولم يكن في الحسبان.

والطفولة هي حياة مختلفة، حياة جميلة، حياة رائعة فيها البراءة والشقاوة،وفيها الود والحب والعطف والحنان، ومنها نحصل على أفضل أصدقاء العمر، تشاجرنا وتصافحنا، تخاصمنا وتصالحنا، تشاجرنا حتى أستنفذنا كل طاقاتنا وحينما ننتهي من شجارنا تعود الأمور إلى مجراها الطبيعي وكأنه لم يحدث شي قط.
نتخاصم لبضع دقائق وتعود علاقتنا أقوى مما كانت في السابق.

فكيف لنا أن نوصف طفولتنا ببعض الكلمات أو بعض العبارات أو بعض الجمل فكل ذلك لن يفي بالغرض أو يضاهي لحظة من لحظات طفولتنا التي لا تنوصف إطلاقاً.

وفي ذات السياق حدثني أحد الأصدقاء عن طفولته قائلاً:
طفولتي أنا كانت لها قصة طويلة فالوقت لا يكفي كي أرويها وأحكيها لكم لكنني سأحاول أن أختصرها لكم أو أحكي لكم البعض منها.

قبل أن أُخلق على هذه الحياة ماتت أختي الوحيدة بحادث سقوط من سُلام الدرج التابعة لمنزل عمتي رحمة الله عليها.
وعندما كنت في بطن أمي كان أبي ينتظر موعد الولادة وينتظر أن يرزقه الله بطفلة، لكنه تفاجأ بمولدي فغضب حينها وكان معترضاً لأمر الله سبحانه وتعالى ولكنه مع مرور الأيام بدأتُ أدخل قلبه رويداً رويدا حتى أصبح يُدللني كثيراً ويحبني أكثر من السابق.
وحينما بلغتُ الثالثة من العمر، تفاجأت أمي بخبر مقتل أبي برصاص الغدر والخيانة من قبل قطاعين الطرق مما جعلني أعيش طفولتي كلها يتيماً فاقداً أبي الغالي رحمة الله عليه.
فالمأساة لن تتوقف هنا بل رافقتني في طفولتي في كثير من الأوقات سأذكر لكم البعض منها.
بعد وفات أبي تزوجت أمي الحبيبة بشخصٍ أخر بهدف أن تجد لي أب يرعاني ويعوضني عن أبي لكنه لم يأتي كما كانت أمي تتمنى فكان يعذبني ويضربني ضرباً مبرحاً بعنف كبير لا يتحمله شخصاً كبيراً.
ومن شدة العنف وقوة الضرب كنت أشعر بأن عظام جسمي قد تكسرت فكنت لا أستطيع أن أنام كبقية الأطفال فعشتُ طفولتي في رعب نتيجة مايحصل لي وما واجهته من عنف وتعنيف من شخص قاسي القلب وعديم الرحمة
وبعد بضعة سنوات طلبت أمي الطلاق وقررت أن تخلع هذا الزوج الظالم الذي أجبرها على التسول في شوارع تعز كبقية زوجاته الأربع وهو ماكثاً في بيته متسطحاً على الفراش منتظر منها وبقية زوجاته أن يأتين له بكل محصول التسول دون نقصان.
وبعدما خلعته أمي وأرتاحة من شره، قررت أن تكمل ماتبقى من عمرها بين أولادها.
وفي السادسة من عمري تعرضت لوعكة صحية كنت سأفقد حياتي أثرها لولا لطف الله وقدره لكنت الأن تحت الثراء أو أعيش بقية عمري معاق أو فاقداً لأحدى الحواس الخمسة، لكنني بفضل الله ولطفه تشافيتُ من هذا المرض بأعجوبة والحمدلله على نعمة العافية.
وبعد هذه الوعكة ألتحقت بالمدرسة وسجلت علامات مميزة وكنت من أوائل الطلاب في المدرسة وها أنا اليوم متألقاً في مختلف المجالات وفي كل مجال وضعت بصمة من بصماتي وهذا فضلٌ من الله سبحانه وتعالى.

شاهد أيضاً

صرخة الواحات… ثورة الأبطال

هناك حيث شمس الزيبان المتناغمة على ينابيع وادي ريغ و الواحات الغناء بين خيام البدو …