الشاعر الإماراتي د. محمد البريكي في حوار خاص لمجلة أقلام عربية:

الشاعر الإماراتي د. محمد البريكي في حوار خاص لمجلة أقلام عربية:
الشارقة قصيدتي الأجمل وزادي منها الإنسانية والأصالة والإبداع والأخلاق

الشاعر النبطي في داخلي متوقد دائما ولديّ الكثير من القصائد التي باستطاعتها أن تشكل عددا لا بأس به من الدواوين

المسابقات الشعرية التي لها هدف هي التي تستطيع أن تنصف مبدعا حقيقيا

الاقتراب من ميدان العمل الإعلامي التليفزيوني الثقافي يساوي حياة شعرية أخرى.

يعود الفضل في نجاح مهرجان الشارقة للشعر العربي لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة

أنا كشاعر أحيا بالرمز في شعري

طقوسي في الكتابة تفرضها القصيدة

أجرى الحوار الشاعر/ علي النهام

 

الدكتور محمد عبدالله البريكي مدير بيت الشعر بالشارقة ومدير مهرجان الشارقة للشعر العربي
شاعر وإعلاميّ مسكون بالجمال ، معجون بماء الإبداع والتفرد يفردس الحروف ويجوهر الكلمات ويؤنسن القصائد وكأنّما خلقت الأبجديّة له وحده ، يدهشكَ بلغتهِ الشفافةِ الماتعةِ الأنيقة ، ويسحرُكَ بمعانيهِ البعيدةِ المجنحةِ في فضاءاتِ الدهشة ، تشعرُ مع قصيدتهِ أنها كائنٌ حيٌّ يتنفسُ ، يتحدثُ اليكَ ويبتسمُ لك، له أسلوب خلاب في كتابة الشعر وكأنه يقطفُ نجوم السماء ليزرعها في نصوصه كلمات توشوش الدوح ذات هطول للمطر ، شاعر ولد من دهشة القصيدة وسافر عبر المجاز ليحملنا معه على (عكاز الريح) إلى (مدن في مرايا الغمام ) حتى يصل بنا إلى عاصمة الشعر (الشارقة غواية الحب الأبدي)
هنالك حيث انطلقت بيوت الشعر لتنتصر للقصيدة وحدها وتشرح الدور الحضاري للشعر العربي عبر العصور.. التقيه في فسحة غالية من وقته الثمين وكان لي معه الحوار التالي :

 

البريكي مسكون بالبحر (بدأت مع البحر -أنا البحر – المجنون بالبحر – معذرة أيها البحر – البحر يفيض بما يكفي) ما سرّ هذا الشغف بالبحر؟

هو شغف وجداني وأنا كشاعر أحيا بالرمز في شعري فإن البحر هو الوجهة التي أحبها حتى في أثناء النشيد الذي يتساقط مني مع قطرات الماء وهي تندفع تلقاء الرمال الدافئة، فالبحر مدى خارج التقاليد المعتادة، لأنه يطرد كل أنواع الهموم، ويعطي تأشيرة إلى الراحلين، ويمنح الأمان للقادمين مع السفن وهي تبحر نحو شواطئ الأمان، وقدري كشاعر أن أعيش بالقرب من البحر، من قائمته الطويلة التي تتغير بتبدل الريح والمطر والأعاصير والسكون والجنون إن جاز لي أن أقول مثل هذا الكلام، فقد أصبح عنصراً في شعري ومحاولة للاكتشاف.

 

هل استطاع البريكي أن يكمل بناء مدينته الشعرية على مرايا الغمام؟

المسألة ليست بالتراكم البنائي لعدد القصائد واكتمالها، لكنها اللحظة التي نختصر بها الأمكنة في كلمات تحتوي هذه المدن التي احتوتنا عمراً طويلاً، إنني كتبت عن “مدن في مرايا في الغمام” ليس بالمفهوم الجغرافي، لكنني كتبت كل قصيدة بروحي وبشغف إنساني ووطني صادق، لكيلا أملأ خانة الشعر عندي، ولكنني كنت أرتفع مع مقامات البلدان التي غلفتني بالجمال، وارتبطت بأبعادها الإنسانية وألفة حضارتها وإيقاعها الشعري الذي يبوح ويسكن الروح من أول خيال حتى نهاية اكتمال القصيدة.

هل سرقتك القصيدة الفصيحة من القصيدة العامية وخاصة أن إصداراتك الأخيرة كلها بالفصحى؟

كثيراً ما يتلى علي مثل هذا السؤال، فلو نظرنا إلى واقعنا الخليجي لوجدنا أن مثل هذه المزاوجة الجميلة في الشعر موجودة عند أغلب شعرائنا، وهذه الصفة هي ميزة لا تؤثر على أي من النبطي أو الفصيح، فباطن الشاعر الأصيل في البداوة والصحراء والواحة وبين الحياة الرطبة التي قادتنا لها الحضارة ناصع مطبوع يتشكل وفق الحالة الشعرية التي تتمخض في الغالب عن بواعث شعرية غريبة الأطوار، وأنا وإن كانت إصداراتي الشعرية في السنوات الماضية فصيحة، فإن الشاعر النبطي في داخلي متوقد دائماً، إذ لدي الكثير من القصائد التي باستطاعتها أن تشكل عدداً لا بأس به من الدواوين.

أنت كقصيدتك دائم الترحال بين العواصم العربية هل تحمل معك الشارقة الجميلة التي وصفتها بغواية الحب الأبدي أثناء ترحالك؟

الشارقة في قلبي وفي وجداني، وهي دائما تعيش معي بأصالتها وتفردها، فهي قصيدتي الأجمل، لذا فهي ساكنة في الذاكرة أينما رحلت وأينما توجهت، فهي مدينة صامدة من الناحية الثقافية ولسانها عربي فصيح، وهو ما يجعلها قريبة مني في أي وجهة أتوجه إليها، فزادي منها الإنسانية والأصالة والإبداع والأخلاق.

بين قصيدتك والموروث علاقة حميمية فمن منهما استفاد من الآخر؟ وهل مثّل الموروث مصدر إلهام للبريكي رغم أنه شاعر حداثي متجدد؟

الشاعر لا بد وأن يرتبط بميراثه العريق من الشعر، وكل عصر تألق فيه الشعر هو نهر في وجدان الشعراء، ولا يمكن الخروج بنتائج شعرية مبهرة دون الاتكاء على هذا الموروث الضخم الذي يعمق في روح الشعراء الأصالة، لكن لابد أن يراعي كل شاعر طبيعة العصر الذي يعيش فيه، وقد عشت في عصر مكتظ بالشعراء، وكل واحد يغني في منطقة معينة، ومن الطبيعي أن تصطبغ القصائد بروح معاصرة دون أن يفقد الشاعر هويته الخاصة.

أين يقف البريكي من القصيدة الغنائية ؟

الشعر المغنى يحمل طابعه الخاص، وقد جربت هذا الشعر دون قصد لأن الموقف الشعري يفرض طريقة معينة في الكتابة وفي النهاية يجد الشاعر نفسه أمام قصيدة ملحنة من تلقاء نفسه، فيدفع بها للغناء وأنا أتصور أن الشعر الذي كتبته وكنت محظوظاً بأن غناه مجموعة من المطربين المشهورين هو نتاج العفوية والصدق في لحظات صافية جداً.

حدثنا عن تجربتك الكبيرة مع الإعلام وهل متعته تساوي متعة الشعر؟

قد يصبح الشعر والصحافة في خندق واحد إذا تلاقت المرامي واتحدت الأهداف، وقد عملت في الصحافة طيلة عمري في الجانب الثقافي منها، وهو ما جعل القصيدة تعيش في مناخ معتدل يسمح لها بأن تتنامى، أما عن الإمتاع الصحفي فهو بحق له بهاؤه ودهشته ومساحته التي تجعل القصيدة خيار لا غنى عنه، كما أن الاقتراب من ميدان العمل الإعلامي التليفزيوني الثقافي يساوي حياة شعرية أخرى عزفت مع الشعر في كل الأحوال.

هل للغيم والريح معزَّة خاصة في شعر محمد عبدالله البريكي وخاصة أنهما يشكلان بهارا فاخرا لقصائده؟

ليس بهذا المعنى، لكن هناك مفردات بتركيباتها الصوتية وإيقاعها المتناغم تغمرني كشاعر، ولا يمكن أن أحدد شعري في عدد من المفردات لكن تصادف في أثناء التجريب الشعري أن امتلأت بعض خزائن الشعر عندي بالغيم وهو حاضر في كل أشعار الشعراء، أو مثلاً الريح وهي مفردة لها إيقاعها الخاص وكينونتها المثيرة، لذا فإن مثل هذه المفردات التي أحبها دائماً تمتلك حيوتها في النص الشعري أو في عناوين الدواوين الشعرية.

هل لك طقوس خاصة في الكتابة؟

طقوسي هي التي تفرضها القصيدة في المد والجزر في الأجواء الدافئة أو الشتوية أو الحارة الرطبة، لقد أهداني الشعر نظاماً متغيراً لا يمكن الجزم بأن هناك طريقة معينة لاستمالة القصيدة، لكن يبدو أنني أحب أن أستقبل القصيدة وأنا في حالة من الشجن في الأماكن التي أنأى بها عن الناس لكي أكتب وأنا مطمئن للكتابة ودورها المهم في إذكاء الروح وإشعال جذوة الفرح أو إيقاظ الدهشة في النفوس.

إلى أين ستحملك القصيدة مستقبلا؟

لا أفكر في المستقبل وأنا أمشي مع الشعر على سجادة واحدة، لأن مجرد التفكير في الآتي يجعلني غير سعيد، لكن الحاضر هو الأجمل دائماً مع القصيدة.

مهرجان الشارقة للشعر العربي أصبح علامة فارقة في الحراك الثقافي العربي كيف استطعتم تحقيق كل هذا النجاح المبهر خلال السنوات الأخيرة؟

بفضل الله ثم بفضل صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة تفتحت أغصان المهرجان في كل دوراته وأصبحت مثمرة بشكل إبداعي وجميل، ونحن نعمل وفق رؤاه ومن خلال الدعم الذي يقدمه للمهرجان لذا فإنه من الطبيعي أن يتوهج في ظل هذه الإمكانات التي توفرها دائرة الثقافة بالشارقة، ونجاح المهرجان هو نتاج عمل مستمر يتحلى بروح المثابرة.

تكريم بيت الشعر في الشارقة بجائزة الأمير عبد الله الفيصل للشعر العربي في دورتها الرابعة هل هي لحظة إنصاف كافية بالنسبة لكم؟

هو إنصاف لجهود بيت الشعر والقوة التي يعمل بها، فإن المجهودات التي يقوم بها بيت الشعر بدائرة الثقافة في الشارقة هي مجهودات نابعة من محبة الشعر وتقدير دوره في كل المحافل ضمن المشروع الثقافي الكبير لصاحب السمو حاكم الشارقة، لكن يبقى للحصول على جائزة بهذه القيمة تكريم حقيقي لكل جهد مخلص في ميدان الثقافة وخدمة الشعر.

هل نجحت المسابقات الأدبية في إثراء المشهد الإبداعي العربي؟ وما نسبة الإنصاف في هذه المسابقات؟

المسابقات الشعرية التي لها هدف هي التي تستطيع أن تنصف مبدعاً حقيقيا وتقوم بدور بناء في تسليط الضوء على الإبداع المغاير، وهو ما نراه جلياً في واقع العديد من المسابقات التي حفرت اسمها في ذاكرة الحياة والثقافة.

الدكتوراه الفخرية من جامعة الشمال الأميركي في العلاقات والإدارة العامة..
ما تعنيه لك هذه الشهادة وتوقيتها؟

لم أكن أسعى للحصول على مثل هذه التكريمات إذ كان يكفيني أن أشعر بأني أعمل في ميدان الشعر، ونتيجة للجهد الذي يبذل في ميدان الإدارة قررت هذه الجهة منحي هذه الشهادة وهي قيمة أعتز بها وتضعني في الوقت ذاته في مسؤولية أتمنى أن أستطيع مواصلة مسيرتي في ضوء الشعر وخدمة المثقفين في كل مكان.