خذلان…/ بقلم : جميلة بلطي عطوي – تونس 

* خذلان…

في سِفر التّكوين سجّلك القدر لُعبة الأهواء، ممزّقٌ أنت بين ماهيتك وهواياتك ، يا من كنت نفخة الحقّ في الطّين لكنّ الغواية أسقطتكَ في سجن الرّغبة .
منذ الأزل وريحها تُفعم أنفاسك تلك التّفّاحة الوسيمة، مَنْ يقربها تلفّ حوله حبال الشّهوة ، تغريه فيرتمي في حضنها وهو لا يعلم أنّ السّمّ بين أضراسه يعدّ العدّة.
منذ الأزل تلك الثّاوية في ركن الممنوعات تتبرّج في أبهى حلّة ، غادة تحت قدميها ترتمي الأجيال وقد أعدّت لهم خيول العصيان فامتطوها ظنّا منهم أنّ الفروسيّة كسب رهان وأنّ الغاية لا يدركها إلّا الجسور، جينات تأصّلت فيهم من عهد آدم وهو يرتمي في مستنقع الغواية ناسيا أنّ الشّيطان عدوّه اللّدود.
آدم أبو البشريّة أكل من الشّجرة المحرّمة فاكتشف عورة لا تقدر الأوراق على إخفائها مهما خسف ، عورة لا يزيلها النّدم ولا تغطّها التّوبة ، قرينة صَغار حكم بها على نسله بالضّرب في المسافات دون هوادة.
رحلة بحث عن خلود ضاع بين غفلة وقضمة ، وهو هناك ، عدوّه، الشيطان يفرش سبل الضّلال رملا ويزيّن دروب الحقد بألف لون ولون، سيل تزدحم بالضّالين تنشب بينهم المعارك على ناصية الجهل ، تشتدّ رحاها منذ قابيل وهابيل مرورا بداحس والغبراء وصولا إلى داعش ومن لفّ لفّهم ، زمرة يئنّ ركبها في دوّامات المسافات والمرافئ بعيدة ، تجديف في بحر ميّت أطاحت به العواصف الهوج.
رحلة كلّما تهيّأ للرّبّان إدراك شاطئها ارتطم بصخرة أزليّة أعادته القهقرى فاختلطت في عينه الجهات وبات فريسة حوت لا يدري مِنْ أين يطلّ.
لا شيء واضح في ذلك الجوّ الصّاخب إلّا زغاريد تهزّ عنان السّماء ، إبليس يقيم عرس إفلاس البشريّة رافعا راية نصره معلنا قيام إمبراطوريّته والجميع مِنْ حوله سكارى وما هم بسكارى ، يشربون نخب انتصاره كؤوسا مترعة بدماء مختمرة منها تفوح ريح تفّاحة الخذلان.

تونس…..23/ 7/ 2018

بقلم : جميلة بلطي عطوي- تونس 

شاهد أيضاً

– ذات شاعرة – / بقلم : عناية أخضر – لبنان

  الشِعرُ حَالةٌ لَطِيفة لاَ تَعترِف بِالكَثِيف .. ومَع ذلِك فَإنَّها تُؤثِّرُ فيهِ وَبِعُمُق .. …