الشاعر الكبير محمود حسين مفلح

شاعر القضيتين محمود مفلح في إطلالة حصرية على أقلام عربية : “فلسطين تأكل وتشرب معي وأحملها على ظهري وسأموت واسمها على شفاهي” / حاوره : صالح عبده إسماعيل الآنسي (خاص) مجلة أقلام عربية العدد (13) نوفمبر2017

نفحة طيبة من نفحات فلسطين ظل أريجها العذب يهب علينا على امتداد أربعة عقود مضت ولا تزال ، وتجربة متقدمة وأصيلة من تجارب الشعر العربي المعاصر، عميقة الجذور والهوى والقيمة..تجربة أحد أبرز الشعراء العرب الفلسطينيين ، والذي يعتبر من شعراء الصف الأول بامتياز ، ومن شعراء الطليعة الذين عاشوا نكبة فلسطين بعام 1948م بكل تفاصيلها وحيثياتها وملابساتها التاريخية التي تركت أثرها البالغ عليهم وعلى شعرهم ، شاعر متمكن من أدواته ، مطبوع على قول الشعر ، لا يتلكأ ولا يتعثر ، وذو تجربة أدبية طويلة ناضجة ، وهو مع شاعريته الأصيلة المتدفقة قصاص وناقد أيضاً ، بدأ بنشر قصائده في مطلع سبعينات القرن الماضي في كثير من المجلات ، وأصدر أكثر من عشرين ديواناً وثلاث مجموعات قصصية ، وله كتابات نقدية نشرت في العديد من الصحف والمجلات العربية ، وبالرغم من ما هو فيه من الرسوخ والإنتشار بنتاجه الأدبي المتنوع وشعره المتميز الأصيل والغزير..الذي شهد له بعلو قامته فيه الكثير من النقاد وتناولته بالبحث والدراسة-حتى الآن- عشر رسائل أكاديمية ما بين ماجستير ودكتوراه وليسانس ؛ إلا أننا نجده-وبكل تواضع-يقول لنا بمناسبة صدور مجلدي أعماله الشعرية الكاملة عن أكاديمية الإبداع المنبثقة من مؤسسة احياء التراث وتنمية الإبداع : “من القلب شكراً أيها الأحبة..لولا محبتكم وتشجيعكم ؛ ما كان لهذه الأعمال أن ترى النور” فنتعلم منه بذلك أبلغ الدروس في التواضع وعدم الإكتفاء عن معية النقد والتوجيه والمشورة وتشجيع الغير ، وقبل هذا وذاك فمن يقترب أكثر من إنسان هذا الشاعر الكبير ذو القامة الأدبية السامقة والعمر المتقدم يجده غاية في اللطف ولين الجانب ورحابة الصدر .. وهي سمات ندر أن تجتمع في شخص أي شاعر كبير آخر من شعراء الأمة المعاصرين كما اجتمعت في شخصه ، إنه كما أُطلق عليه {شاعر القضيتين} الإسلامية والفلسطينية..الشاعر الفلسطيني الكبير :

محمود حسين مفلح

أمد الله لنا في عمره وعطائه ، والذي بالرغم من كل ما سبق نجده أيضاً يقول عن نفسه : “إذا كان لكل شاعر طقسه في الكتابة ؛ فإنني أكتب عند الفجر وبالقلم الرصاص وقربي الممحاة وأُسَوِّدُ النص ثلاث مرات على الأقل ، هذا جزء من المعاناة مع القصيدة التي يقرأها القارئ في خمس  دقائق ” ولقد كان لنا في مجلة أقلام عربية شرف الإسهام في تسليط الضوء على هذا العملاق وعلى ثراء ونضوج تجربته الشعرية الطويلة ونتاجه وأعماله عبر إجراء هذا الحوار المثمر والبناء الذي كان لنا معه :

– ولدت بعام 1943م في بلدة {سمخ} على ضفاف بحيرة طبريا وفي تلك الربوة الطيبة نشأت ومنها- أي من تلك الربوع- تعلمتما أنت وأخيك الشاعر المرحوم : أحمد مفلح أبجديتكما الأولى ، فكم كان لتلك النشأة من الأثر الممتد عليك وعلى شعرك حتى الآن؟

*من الصعب على أي شاعر أن يتكلم عن بيئته التي نشأ فيها ، وأنا نشأت في قرية ساحرة الجمال على ضفاف بحيرة طبرية ، صحيح أني لا أذكر معالمها تماماً لأنني غادرتها وأنا في الخامسة من عمري مهاجراً إلى سوريا يوم النكبة المشئوم ، ولكن {سمخ} وبحرية طبريا تمد لي دائماً بالنسخ الشعري وترافقني أينما اتجهت وحيثما حللت ، والقارئ لشعري يكتشف عمق ارتباطي بقريتي ، تلك القرية التي أنجبت أكبر عدد من شعراء فلسطين المرموقين ، يضيق المجال عن ذكرهم وسرد سيرتهم الإبداعية.

– في ارتحالك الدائم المعروف الذي كان بين المدن العربية..ابتداءً بدرعا والسويداء ودمشق  بسوريا ثم المملكة المغربية والمملكة العربية السعودية معلماً معاراً وأخيراً بالقاهرة..حيث كنت في كلٍ  منها-وما زلت-تنبض بشجو طائر أسير ؛ فما الذي فجره طول الإغتراب وتعدد أماكنه فيك وفي شعرك ؟

* قضية الإرتحال من مكان إلى آخر أثرت كثيراً في شعري حتى غدا قلقاً متنوعاً..مطبوعاً بطابع البيئة التي أحلُ بها ، فبيئة السعودية غير بيئة المغرب ، وبيئة مصر غير بيئة سوريا ، وأقصد البيئة الإجتماعية والسياسية والثقافية ، ففي المغرب مثلاً أفدتُ كثيراً من النقد المنهجي لأن النقاد المغاربة متفوقون في مجال النقد الأدبي بسبب ارتباطهم الوثيق بالثقافة الفرنسية وإتقانهم للغة الفرنسية ، وفي السعودية مثلاً كانت قصائدي تعكس البيئة التي عشت فيها خمسة عشر عاماً ، وتلتزم بالقيم السائدة التي تنسجم مع طبيعتي وموقفي بشكل عام ، وفي مصر تعرفت على شعراء كبار..شعرت أمامهم بالتحدي ، صقلوا أدواتي ورحبوا بي كثيراً على منابرهم الإبداعية ، إذن كان الرحيل والإنتقال من بيئة إلى أخرى عاملاً مهماً من عوامل تكويني الشعري ورافداً قوياً من روافد تجربتي الإبداعية ، وما زلت حتى كتابة هذه الكلمات أركب صهوة الرحيل وأنتظر بلداً آخر أحط فيه رحالي لأنني فلسطينيٌّ فقط..!!

أنا  في  مصر  أستريحُ  قليلًا

ثمَّ أمضي حيث الرحيلُ يشاءُ

لست  أدري  غداً  بأيِّ  بلادٍ

سوف أُلقي عصايَ يا أبناءُ ؟!

منذ صليتُ ركعتين  بداري

ثم  ودعتها .. أطلَّ  الشقاءُ

كان   فيها  يحلو   الدعاءُ  ولما

غبتُ عنها ؛ ما عاد يحلو الدعاءُ

لا ترابي  هنا ؛ فأبذر قمحي

لا سمائي التي أراها السماءُ

كلما أبصرت  عيوني بحراً

صدَّ عني الشراعُ والميناءُ

خطواتي على الطريقِ حيارى

عندما    قيلَ    إنكم    غرباءُ !!

مع اعتزازي بكثير من الأصدقاء المصريين الذين غمروني بلطفهم ونبلهم وبمصر الكنانة حكومة وشعباً .

– قرأت لك الكثير من النصوص الشعرية من مثل {في ذكرى الهجرة} و {قطرة حب تكفي} و {صد} و كما في نصك السابق {غرباء} وغيرها التي عبرت فيها عن نظرة المجتمعات العربية الملازمة للفلسطيني اللاجئ على أنه يظل يعتبر غريباً عنها مهما عاش فيها واندمج في أوساطها..فهل ذلك أيضاً ما لمسته في سوريا ومصر رغم طول الفترتين اللتين عشتهما في هذين البلدين؟

* سؤالك يا صديقي عن الموقف من الفلسطيني يحرجني ويجرحني معاً ، فالفلسطيني-بكل صراحة- غير مرحب به في أي بلد عربي ، هذا على المستوى الرسمي ، أما على المستوى الشعبي فإن الفلسطيني في قلوب الناس وعيونهم ، وإن كثيراً من قصائدي تعكس هذا القلق وهذا الموقف السلبي للأنظمة من الفلسطيني الذي تاجروا به كثيراً..ثم تنكروا له في نهاية المطاف!! ، وربما كان هذا التضييق وهذا الحصار سبباً هاماً لتفجر الطاقة الشعرية وغضبها..فمثلاً كما ذكرت قلت في قصيدتي التي بعنوان {في ذكرى الهجرة} :

هجرنا    للشمالِ   فعنفونا

ورُحنا للجنوبِ فحاصرونا

رجونا أن تكونَ لهم قلوبٌ

ترقُ وأن نرى فيهم  معينا

وقلنا نحنُ  إخوتكم  وجئنا

من الوطنِ الذبيحِ فأنقذونا

قرأنا سورةً عزت علينا

فهاجرنا وصرنا لاجئينا

فلا الأيتامُ تقرعُكم دموعاً

ولا  الآهاتُ  تطلقكم  أنينا

وقد  غلقتمو  الابوابَ  غلقاً

كما فعلت قريظة والحصونا

وأنتم  تملكونَ  البحرَ  رهواً

وفوقَ البحرِ تجرونَ السفينا

وقد  وسِعَت  بلادُكمو  خليطاً

من الأغراب كيفَ تضيقُ فينا !؟

فهل صليتمو خمساً وصمتم

وهل   تتلونَ   قرآناً    مُبينا !؟

وهل حجَّ الولاةُ كما حججنا

وهل ساروا  لمكة  مُحرمينا !؟

وقلتم يا رسولَ الله كنا

على عهدِ الأخوةِ ثابتينا

فرشنا الأرض تحتهمو وروداً

وأمطرنا     عليهم     ياسمينا

ولما أن أفقتُ ؛ سمعتُ صوتاً

يقولُ   لهم   كأنَّ   بهِ   جنونا

فكيفَ ترومُ من قومٍ إخاءً

وقد  رنَّ الغرورُ  بهم  رنينا !!

ولا تكاد تقرأ قصيدة من قصائدي إلا وأطَلَّ من خلال سطورها الغضب الفلسطيني من الأنظمة والإحتجاج الصارخ على من أساءوا معاملتنا وحرمونا حتى من قبورٍ على أرضهم ، وهناك استثناءات بطبيعة الحال وإن كانت قليلة جداً.

– على امتداد أربعة عقود وأنت ترصد في شعرك تضاريس همك الفلسطيني الإسلامي بحنين رهيف وصاف حتى قيل عنك أنك شاعر مسلم ملتزم ، الشعر عندك صيغة من صيغ العمل الصالح ووجهاً من وجوه الدعوة وفعالية اجتماعية وإنسانية ، فالشعر عندك همٌ ودعوة وجهاد وليس عبثاً ولهواً وانتهازية فضفاضة على مسرح الأحداث كما هو عند الكثيرين ، فهل كان-لكونك في المقام الأول فلسطينياً من الأرض المسلوبة..هاجر منها بعد أحداث نكبة 1948م – دور كبير في جعل تجربتك الشعرية تنحو هذا المنحى وتتصف بهذه السمة الغالبة؟

* لا أُبالغ إن قلت إنني أتنفس القضية الفلسطينية وأسبح في مياهها منذ القصيدة الأولى وحتى قصائدي الأخيرة ، وحسبي أن أذكر عناوين بعض دواويني منذ :

– ديواني الأول{مذكرات شهيد فلسطيني}

– ثم {حكاية الشال الفلسطيني}

– ثم {سنابل الشهادة}

– ثم {نقوش إسلامية على الحجر الفلسطيني}

– مروراً ب {الراية}

– و {شموخاً أيتها المآذن} وغيرها.

وقد أطلق عليَّ بعض النقاد بأنني شاعر القضيتين الإسلامية والفلسطينية ، وأن فلسطين تأكل معي وتشرب معي وتنام معي ، وأحملها على ظهري من مطار إلى مطار ومن ميناء إلى ميناء ، وأعتقد أني سأموت واسم فلسطين على شفاهي.

وكثير من النقاد يعيبون عليَّ أنني لا أستطيع أن أتخلص من جاذبيتها ، وأنا راضٍ بذلك ومقتنع به حتى ولو كان على حساب موضوعات أخرى وأهمها الموضوعات العاطفية التي اتهمت بالتقصير فيها ، وأنا أعترف بذلك الآن..فلا وقت لديَّ للغزل ، أما ما ذكرته من قول بعض النقاد عن الشعر عندي والمسار الذي التزمت المضي عليه فيه..فقد بينت ذلك في كثير من قصائدي من مثل قولي في نص قصيدة بعنوان {رأي} :

أنا ما كتبتُ الشعرَ كي أتشدقا

أو  أنني  جاريتُ   فيهِ  لأسبقا

أنا لا أحُبُّ الشعرَ بوقَ عشيرةٍ

أنا لا أحُبُّ الشاعرَ  المُتخندقا

أنا لا أطيقُ  الشعرَ  أقرأُ  ساعةً

وأعودُ من عُسرِ القراءةِ مُرهقا

أحببتُ شعراً كالطفولةِ صافياً

أو  بلبلاً .. أو  جدولاً  مترقرقا

يدنو   من  القلبِ  الكسيرِ  برقةٍ

ويُذيبُ عنهُ الحزنَ حتى يخفِقا

يأتيهِ عندَ الفجرِ مثلَ ملاكهِ

يهديهِ قبلةَ عاشقينِ  وزنبقا

وإذا شممتُ من القصيدةِ عجمة

مزقتها   من   قبل   أن   أتمزقا !

ما أسوأ الشعراء حينَ تراهمو

حولَ الموائدِ  راقصاً  ومُصفقا

كم سالَ من ولَهٍ لُعابُ قصيدتي؟!

لما    رأى    خمراً   بثغرك   عُتِّقَا

شيخوخةُ الشعراءِ تبدأ عندما

لا يكتبُ الشعراءُ  شعراً  مُقلِقا

– كتبت الشعر العمودي والتفعيلة..مُصدِرَاً أكثر من عشرين ديواناً ومجلدي أعمال كاملة ، وإلى جانب ذلك كتبت الأنشودة كما في ديوانِك الشهير { غرد يا شبل الإسلام } وغيره في أدب الأطفال والقصةالقصيرة والمقال ومارست النقد الأدبي ؛ فما الذي جعل تجربتك الإبداعية تتفرع وتتجه إلى أجناسٍ أدبيةٍ عدة؟

* كتبت القصة القصيرة ولي فيها أربع مجموعات..ثلاث منها مطبوعة وقد نفذت نسخها من زمنٍ بعيد وهي :

1- {المرفأ}

2- {القارب}

3- {إنهم لا يطرقون الأبواب}

4- {عندما يتذكر الشيخ} وهي مخطوطة وقد ضاعت بين الناشرين وليس عندي للأسف نسخة منها.

وكتبت النقد الأدبي لأكثر من عشر سنوات عندما كنت بالسعودية أعمل موجهاً تربوياً لمادة اللغة العربية ، وقد تناولت كثيراً من أدباء السعودية بالدراسة والتعريف ، ولكنني أعترف أنني لا أملِك مصطلحاً منهجياً في النقد وهي أقرب إلى النقد الإنطباعي الذاتي ، ولي كتاب كبير مخطوط الصفحات :

{دراسات في الشعر السعودي المعاصر}

لم يطبع حتى الآن

وكتبت كذلك أناشيد للأطفال في مجموعتين لقيتا رواجاً طيباً ، وأُنشِدَت الكثير من مقطوعاتها عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة ودون علم مني في كثيرٍ من الأحيان ، تماماً..كالدراسات التي دارت حول إنتاجي الشعري للحصول على درجات علمية كالماجستير والدكتوراه وبدون علمي كذلك إلا بعد إنجاز العمل وحصول الدارس على الدرجة العلمية ، وكتبت أيضاً مقالات متنوعة الأغراض حول الشعر ومشكلاته والشعراء وهموهم لقيت بعض الصدى من المهتمين بهذا الشأن ، وهي خلاصة تجربة امتدت أكثر من أربعين عاماً في الكتابة الشعرية.

– في ظل تشعب الإتجاهات المختلفة الحديثة والمعاصرة للشعر العربي وتعدد مشاربه ومدارسه وتأثرها بالغرب والعولمة..كيف ترى واقع الشعر والأدب العربي والإسلامي ومستقبله؟ وما نصيحتك لأبنائك وبناتِك من الشعراء والشواعر الناشئين الشباب؟

* لا أميل إلى النظرة التشاؤمية حول الشعر العربي المعاصر ؛ فهناك شعراء كبار يفوقون كثيراً بعض الشعراء الأقدمين ، وحسبي أن أذكر : {البردوني} من اليمن و{عبد الرزاق عبد الواحد} من العراق و{أبو ريشة} من سوريا و{بدوي الجبل} و{أحمد غراب} و{محمد التهامي} من مصر وغيرهم كثير .. وهناك قصائد أقرأها على الفيس تؤكد أن الشعر العربي ما زال بخير وأن هناك شباباً مبدعين حقاً ، فتحوا للقصيدة العربية آفاقاً جديدة لم يبلغها الأقدمون ؛ وإن كان الخطاب الشعري كثيراً في ذلك الفضاء الذي يعج بالأصوات..!! ، وهذا أمر عادي أن يكون التبن أكثر من القمح والإصداف أكثر من الصدف ، وقد أساء أنصاف الشعراء إلى الشعر كثيراً كما أساء إليه مشجعوهم والمصفقون لهم أكثر ، ولكن في النهاية فإن الزمن يُغربل ولن يبقى إلا الصحيح..الأصيل ، وكان لإطلاع كثير من الشعراء على الثقافة الغربية-والشعر منها خاصة-أثرٌ في تلوين قصائدهم وتناول موضوعات يومية بسيطة لم يتناولها الشعراء من قبل أثارت حيوية في الشعر العربي المعاصر ، وأنا لا أحب أن أُمَثِّلَ دور الناصح أوِ المرشد للشعراء الشباب ، وكما مر أني أحترم تجاربهم وأُتابع أكثرهم فيما يكتبون ، وفيهم شعراء رائعون يملكون ناصية الشعر ويُدركون أسرار العربية ، وإن كان عدد هؤلاء المجيدين قليلاً ، وأكثر الشعراء الشباب يحب أن يتربع قمة الشعر وما زال في السفح ، كما يرفض النقد أوِ التوجيه ويعتبر نفسه فوق النقد والنقاد ، وهو مستمر في غيه  وغثائه وتخبطه ، ومما يغريه في ذلك ويشجعه عليه كثرة الطبالين والزمارين ممن لا يزالون يخطئون حتى في الإملاء ولا يفقهون أبجدية الشعر ، ولا بد من يوم قادم يتبين فيه القُرَّاء الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الشعر ، ومما ألحظه على كثير من قصائد شبابنا ضعف الثقافة وعدم الإلمام بقواعد العربية والإطلاع المحدود على تراثنا الأدبي العظيم واقتناعهم بما لديهم وحولهم فقط.

– المرأة..كإنسانة تمثل نصفنا الآخر وكمصدر إلهام للجمال وللشعر ولكل قيم ومعاني الخير والفضيلة ومنبع لا ينضب للعطاء وللسعادة..ما الذي تشكله عند شاعرنا الكبير : محمود حسين مفلح وكم كان نصيبها من اهتمام شعره؟

* يؤسفني أن أقول أن المرأة لم تحتل المساحة التي تستحقها في شعري ، وأن القضايا الإسلامية والوطنية التهمت مساحة المرأة عندي حتى استيقظتُ أخيراً وبتنبيهٍ من بعض النقاد والأصدقاء إلى أهمية المرأة وحيوية الكتابة عنها..أُمَّاً وأُختاً وحبيبة وصديقة ؛ فكتبت بعض القصائد في هذا الصدد وهي مبثوثة في دواويني الأخيرة :

– {ابتسمي ليخضر الكلام}

– {لا تهدموا البرج الأخير}

– {قصائد في فمها ماء}

فمثلاً هذا نص قصيدة لي بعنوان {أنثى} :

إذا لم يكن في الشعرِ هندٌ وزينبُ

فقل لي إذن كيفَ القصائدُ تكتبُ!؟

تظلُ  القوافي  دونهُنَّ  فقيرة

فلا نكهةٌ فيهن والشعرُ مُذنِبُ

وما قيمةُ الإنسانِ من غيرِ مرأةٍ

تمُدُ  لهُ  كفَ  الحنانِ..فيخصبُ

إذا قال : “آخٍ” أسرعت بدوائها

وأنجعُ من كلِّ الدواءِ التحببُ

وتوقِظُ أنفاسَ الرياحينِ عندهُ

وأنفاسها   في   جلدهِ  تتسرَّبُ

ترفُ عليهِ  كلَّ  يومٍ  غمامةً

وتمنحهُ نبَع الشفاهِ فيشربُ

وتنعشهُ   فجراً   بفنجانِ   بوحِها

ومن كفها الفنجانُ أحلى وأطيبُ

يغارُ من الفنجانِ إن مسَّ ثغرَها

فينهرهُ  حيناً  …  وحيناً   يؤنِبُ

هيَ  المرأةُ  الأُنثى  فسبحانِ  ربنا

أيجري بلا أنثى على البحرِ مركِبُ !؟

ولكن المرأة بشكل أو بآخر مبثوثة في أكثر ما كتبت..تلميحاً لا تصريحاً وعَرَضَاً لا جوهراً .

– منذ دخولك العالم الإفتراضي على مواقع التواصل الإجتماعي وخصوصاً الفيس بوك بغرض النشر الإلكتروني الأدبي والتواصل الثقافي مع الغير .. بما لها من فضائل إيجابية ومساوئ سلبية ، ما هي الطريقة المثلى بنظرك التي يحسن بنا أن ننتهجها في استخدام هذه المواقع؟

* الفيس..دخلت عالمه منذ ثلاث سنوات فقط وما زلت جاهلاً في التعامل معه ، وأنا لا أنصح في إدمانه ، وإن كان قد حقق لي شيئاً كثيراً في الإنتشار وتعريف الناس بي ، ولكن من جهة أخرى شغلني عن القراءة الجادة والكتابة المتأنية العميقة ، وصرت أميل إلى القصائد القصيرة ذات الموضوعات الآنية والشائعة في أُسلوبٍ شعري خاص ، ولا أنصح مرة أخرى بالإنشغال فيه أكثر مما ينبغي ، وأنا منذ أيام أعلنت عن اعتزالي له لمدة لا يعلمها إلا الله ..لترتيب الأوراق وإعادة النظر وبدء مرحلة شعرية جديدة ومختلفة بإذن الله.

– شاعرنا الكبير : محمود حسين مفلح سعدنا كثيراً وتشرفنا بإطلالتك المشرقة على صفحات العدد ( 13 ) من مجلة {أقلام عربية} عبر هذا اللقاء والحوار المثمر والبناء الذي تكرمت بقبول إجرائه معك وخصصت حصرياً به المجلة ، شكراً لك بحجم السماء ، وإن كان لك من كلمة في الختام..فتفضل بها؟

 * في نهاية هذا اللقاء لا أملك إلا أن أشكرك صديقي الشاعر اليمني الجميل : صالح عبده الآنسي..على إتاحتك هذه الفرصة لي لأطل من خلال مجلتنا{ أقلام عربية} الرحبة الراقية على القُرَّاء الكرام ، وشكري كذلك موصول لرئيسة تحريرها ولكافة أعضاء هيئة التحرير مع تمنياتي لكم بالتوفيق.

شاهد أيضاً

شعر الوداد وشعر الغزل

شعر الوداد وشعر الغزل الطبيب نوري سراج الوائلي نيويورك   الشعرُ قلبُ اللغةِ، تقوده ويقودها، …

اترك تعليقاً