مجلة أقلام عربية ( سجايا السودانيين ) للأستاذ الدكتور/ فؤاد البنا

?سَجَايَا السّودانيّين(1)?
?أ.د.فؤاد البنا?
? المُكَيِّف السودانيّ?

? من المعلوم أن السودان من البلدان ذات الحرارة الشديدة، لكن الله الذي يوزع نِعمَه بالعدل وَهَب هذه البلدة الساخنة مُكيفين طبيعيين هما النيل الأزرق والنيل الأبيض وبثّهما في أرجاء السودان الكبير وأكنافه الواسعة!

? وهناك مُكيِّف آخر يمثل هبة السماء الكبرى لهذه الأرض الساخنة، وهو الإنسان السوداني الذي يُمثِّل بأخلاقه الطيبة وخِلاله العظيمة مُكيِّفاً شديد الفاعلية، حيث يُحوّل قَيض السودان إلى برد ويجعل هجيرها سلاما،ً ولاسيما للذين وفَدوا من بلاد القَرّ ولم يعتادوا على الحَر،ّ كاليمنيين الذين وجدوا في أشقائهم السودانيين بلاسمَ تداوي جروحهم ونسائم حُبّ تداعب أفئدتهم التي هدّتْها المتاعب وأضْنَتْها الأوجاَع!

? في اليوم الماضي (4أكتوبر) ولَجْتُ إلى (مدينة مدني) عاصمة ولاية الجزيرة من (بوّابة) معهد إسلام المعرفة الذي استضافني وأكرمني مع أحد طلابي الذي رافقني من الخرطوم، وقبل أن تحلّ سُدَفُ الظلام في المساء كان عميد معهد إسلام المعرفة قد طوّف بنا في بعض شوارع مدني واستقر بنا في أجمل مساكن جامعة الجزيرة التي تتمدد على ضفاف النيل الأزرق بعطائه الذي لا يتوقف!

? وفي المَضَافة التي تقع في أحضان مجمع الرازي الطبي استقبلنا في بوابته الجميلة موظف بسيط ببشاشة وحفاوة الإنسان السوداني الكريم، ووضَعَنا في الغرفة رقم 4 من هذا السكن الجميل، فأتحفنا بالإلفة ولم نشعر بغربة المكان!

? وفي المساء خرجتُ ورفيقي في جولة استطلاعية قريبة، وقام اثنان من شباب اليمن الكرام بضبطنا في الشارع بجريرة محاولة الدخول إلى مدني من غير بابها، حيث لم نُعلمهما بوصولنا لولا أن عميد الديبلوماسية الشعبية ورئيس الجالية اليمنية الحاج علي اليهاري قام بذلك، وكانت جلسة ماتعة وعشوة لذيذة في الهواء الطّلْق بمطعم سوري أنيق!

? وقبل أن يمضي شطر الليل عُدْنا أدراجنا إلى مضافتنا، وكنا نهم أن يكون ذلك الحارس قد نام وأصيبتْ بشاشتُه النّهارية بالانطفاء وتكدّرت طباعُه البرّاقة نتيجة عَتْمة الليل، وربما أغلق الباب ونسينا في الخارج، لكن أيا من ذلك لم يَحدث!

? لقد جئنا وهو ينتظرنا على سريره في بستان المَضافة، وكان يسمع الأخبار من جهاز الراديو الذي يحتضنه كأم رؤوم!
ورحّب بنا بذات الأخلاق العالية التي لا تُغيّرها عوامل الطقس ولا تقلبات الوقت، وكأنه تعلّم (صفاء القلب) من (تعكّر الجو) واكتسب (ثبات الأخلاق) الرفيعة من (تقلبات الطبيعة) السريعة!

? ودَلَفْنا إلى غرفتنا الأنيقة رغم بساطتها كأناقة الإنسان السوداني البسيط، وشغّلْنا مفتاح المُكيّف رغم أن الجوّ كان معتدلًا ويَعجّ بنسائم الهواء العليلة.
وشرعتُ أفكِّر بحالنا وحال ذلك (الزّول) الذي يمثل نموذجاً للإنسان السوداني الجواد، فقد وضَعَنا في بُؤْبؤ ذلك السكن وبقي في العراء، وذكّرني المُكيِّف – الذي كان ينفث النفحات إلى الخارج ويتحفنا بالنفحات – بجُود الإنسان السوداني الذي يحتفي بأضيافه ويفرح بالوافدين عليه، حيث يُعوّضهم عن حرارة الجوّ بلطف مشاعره، ويمنحهم النسائم الباردة التي تداعب قلوبهم وتحررهم من قيض الحياة ولَفَحات أوجاعها!

? إنه الإنسان السوداني الذي يساعدك بأخلاقه الرفيعة على التكيف مع المناخ الصعب، ويمنحك ببحبوحة قلبه وسخاء يمينه الشعور بلذة الدنيا وبهجة الحياة!

⭐ بوركتم ⭐

شاهد أيضاً

شعر الوداد وشعر الغزل

شعر الوداد وشعر الغزل الطبيب نوري سراج الوائلي نيويورك   الشعرُ قلبُ اللغةِ، تقوده ويقودها، …

اترك تعليقاً