- مواسم المتيم الغريب
1
أطلّ الخريفْ..
له وحشةٌ تستـفـزّ الدموع
وريحٌ تـعربدُ بـين الضلوع
تُـثـيـرُ سحاب الحـنين..
وتشرينُ يُـرخي عليك المساء
فها أنتَ ما زلتَ خلف الضيـاء
وكم من سنين ..
توالت عليك.. وكم من شموع ..
سيُـطفـئـهنّ الزمان الحزين
وأنتَ ارتحالٌ بغير انـتـهاء
وأنتَ ارتـقابٌ..
وطيفٌ غريبْ..!
..
2
ذكرياتي.. مثل أمطار الشتاء
سَقـَطتْ في قاع روحي
نـَبـَشتْ حزنَ السنين
وأهاجت لي جروحي..
آه يا بحراً من الدمع كطوفانٍ تعالى في دمي
فاض إذ فاضت بروحي كلّ أحزان السماء.!
والشتاء..
يوقـظ الشوق بروحي والحنين
فيناديكَ دمي.. يا حُـلُـمي.!
أوَ تدري ؟
أنني في كلّ يوم ٍأتلاشى في صحارى وحدتي
وأناجي في سكون ٍ.. في سكونْ
ظلـّيَ الممتدّ مابين فراغات مكاني والزمانْ
ومجاهيل الغد الآتي، وذكرى زمن ٍكانَ وكانْ
أين ألقاكَ ليحيا فيَّ ذاك العنفوان ؟
كيف ألقاك؟ وقلبي..
والهوى ضلَّ طريقهْ
وصباباتي وحـبّي..
محضُ وهم ٍوخيالٍ
سَخِرتْ منه الحقيقه.!
وفؤادي غلـّفَ الثلجُ حريقه
حينما عاد الشتاء
واحتواني.!
في ليالي الثلج دفءٌ وخيالٌ ومساء
وليالي الثلج بابٌ موصدٌ دون الضياء
ياخيالاً شاحب الصورة يأتي مع أحلام المساء
آه لو كنت حقيقه.!
لتنامى في كياني فرحٌ يخنقني حدَّ البكاء.!
مطرٌ يغسلُ روحي من نفايات السنين
وليالي الثلج دفءٌ..
بلقاء العاشقين.!
..
3
تلألأَ الربيع بالضياء والندى
والطيرُ فوق دوحة العشّاق ِغرّدا
وانتفضَ الشجرْ..
محتفلا ًبمولد الحياة من جديدْ
كبـسمـةٍ تألـّقتْ على فم الوليدْ
جنونيَ ابتدا .!
ومن ضجيج لوعتي تناغمَ الصدى
فيروزُ يا فيروزْ..
غنـّي عن المطرْ..
وعن طفولتي، وعن مواسم الحصادْ
وعن غراميَ الـّذي تجاوز المدى
وصارع الردى..
فيروزُ يا فيروزْ..
على الضفافِ حالماً تـنـهّـدَ القمرْ
ليلى وشهرزاد قد أعياهما السهرْ
ليلى وشهرزادْ..
بالوصل تحلمان بالهوى وسندبادْ
ضيّـعـهُ الرحيلُ في متـاهة البحَـرْ
يا سندباد.. يا رفيقَ الريح والشراع ْ
يا مركب الضياع.ْ.
إلى متى تعبثُ بي نوازع القدرْ ؟
وشهرزاد لم تزلْ تعالجُ الوترْ
ليستفيق في شموخ ٍلحنها الفريدْ
يحطْم الجدرانَ والقضبانَ والحديدْ
ويـنـقـذ البشرْ..
ليلى وشهرزاد..
مازالتا هناك عند شاطئ الفراتْ
تخبّـئان عنده مكامنَ الحياة
ومخدع القمرْ .!
وأنتَ لم تـزلْ هنا في غابة الحجرْ
يا عمريَ الـّذي مضى..
كلمحةِ البصرْ .!
..
4
تـمّـوزُ تـوهّـجَ كالنارِ
وأنا معتكفٌ في داري
جمرٌ متـّقـدٌ في رأسي
وخيالٌ يغـفو بجواري ..!
تموز توهّج كالنارِ
وأنا عطشٌ ..
وشفاهٌ أتـعبها الصمتُ
تحلم برحيق الشفـتين ِ
والخـدّين ِ..
ويـدٌ مابين الـتاجين ِ
تنسابُ فيحرقها النورْ ..!
مَنْ يطفئ هذا التـنـورْ ؟
ثملٌ والكأس يؤرجحني
في ليل ِالصيف المخمورْ
ودواليبُ الأرض تدورْ
ليلٌ تلوَ الليل سيمضي
وأنا في غابة أفكاري
يتصارع ُ بعضي مع بعضي
وصباباتي، وخيالاتي..
طيف سراب..
ضاعتْ أزمانٌ ودهورْ
ودواليبُ الأرض تدورْ .!
..
5
وعاد الخريفْ..
لأوراقه الصفر تحتَ الشبابيكِ همسٌ غريبْ
وصوتٌ يذكـّرني بالفناء..
يغلّفني بالظلام الرهيبْ..
وعاد الخريفْ..
فأبصرتُ موتي..!
وأوشكتُ أبكي..
لأني تذكرتُ فيكَ الحياة
أغثني.. أغثني.. فأن الزمانْ
كئيبٌ .. كئيبْ..
وفي كل عام ٍ يعود الخريفْ
ويجتاح تشرينُ روحي
وأنتَ ارتقابٌ.. وأنتَ انتظارْ..
وطيفٌ غريبْ..
وفي كلّ عامْ..
تدور بيَ الأرض هذا المدارْ
ونبقى غريبين خلفَ المـغـيبْ
أنا.. والخريفْ.!
..
- شعر: مثنى إبراهيم دهام
16/ 3 / 1990