الدكتور قائد غيلان في مقابلة حصرية لمجلة أقلام عربية: النقد في اليمن متأخر عن الإبداع

د. قائد غيلان في مقابلة حصرية لمجلة أقلام عربية:
النقد في اليمن متأخر عن الإبداع.

الدراما اليمنية تطورت في العامين الأخيرين.

لم يكن دخولي مجال الكتابة القصصية دخولا قصديا.

أجرى الحوار أ. خالد الضبيبي

لن يختلف اليوم اثنان في أن النقد العربي الحديث باتجاهاته ومدارسه المختلفة ما زال يعيش على منجزات النقد الغربي، ويواجه نتيجة لذلك إشكالية أساسية تكمن في البحث عن هوية وتحديد مسار خاص به ومناسب لطبيعة النص العربي والثقافة العربية بشكل عام.
من هذه النقطة تحديدًا سوف ننطلق في حوار ودردشة سريعة مع ناقد وكاتب ومؤلف عربي له تجارب نقدية وأدبية،
من أجل مناقشة الكثير من القضايا النقدية التي تدور في اليمن خصوصًا أو في الوطن العربي عمومًا.. وبما أن النقد عملية مهمة في رصد وتحديد وضبط الأطر الإبداعية وتقييمها، قبل وخلال وبعد العملية الإبداعية، ولأن ضيفنا أيضا ناقدا متخصصا في نقد النقد سوف يكون لنا وقفات مع النقد والعملية النقدية والنقد الثقافي و الأدبي وتأثيره في الحياة العامة، ولأن ضيفنا يكتب في النقد الدرامي الفني وله تجربة في تتبع الأعمال الدرامية سنعرج معه على النقد الدرامي وأطره وبعض جوانبه واشكالياته في محاولة جادة لتحديد جوانب مهمة في الدرامة اليمنية التي يتابعها ويكتب عنها.

ضيفنا اليوم أحد أبرز الأسماء اليمنية النقدية التي لها حضور في وسائل التواصل الاجتماعي وفي الساحة النقدية والأكاديمية اليمنية.. الأديب والناقد د. قائد غيلان… وقد تفرع حوارنا معه إلى عدة محاور.

■ المحور الأول
●النقد والناقد

– سوف نبدأ من حيث انطلقنا، إذا كان النقد العربي مايزال يعتمد على المنجزات النقدية الغربية حتى الآن برايك أين تكمن الإشكالية؟

• لا أرى أن هذه مشكلة، النقد الأدبي وليد فلسفات، فكل نقد وراءه نظرية، والنظريات والمناهج لغة عالمية، فالناقد الذي في فرنسا والآخر الذي في المانيا أو أمريكا أو في أي دولة عربية، جميعهم ينطلقون من ذات المناهج والنظريات.

– كيف ترى حركة النقد في اليمن وهل توازي حركة الإبداع؟

• النقد في اليمن متأخر عن الإبداع، عندنا وفرة في المبدعين وقليل من النقاد، لهذا يكتب الأديب بثقة كبيرة واطمئنان لأنه يعرف أن كتابته لن تلقى إلا الترحيب الصحفي، ولن تجد الناقد الذي يتناولها بجدية وصرامة. ولهذا اعتاد الكتاب على الإطراء والفوه، ولن يتقبلوا نقدا يقلل من أدبية ما يكتبون.

 

– ما رأي د. قائد في قصيدة النثر؟

• قصيدة النثر تطور طبيعي داخل القصيدة العربية، وقد أثبتت وجودها ونجحت. المشكلة ليست في قصيدة النثر بل في الكتابة المحسوبة عليها وهي كثيرة جدا، تلك الكتابة الحقت ضررا كبيرا بقصيدة النثر وشوّهت سمعتها، حتى أصبح يُنظَر إلى كل كلام متناقض وغير مرتب وغير مفهوم على أنه قصيدة النثر.

– قلت مرة أن النقد اليمني كنقد لا يقوم به اليوم إلا أسماء معدودة ذكرت د. أبو طالب و د. الحسامي ود. الحميري.. هل لا زلت عند هذا الرأي؟

• نعم، النقاد الحقيقيون الذين ينجزون أعمالا مهمة في النقد هم تلك الأسماء التي ذكرتها، اخلصوا للنقد وكرسوا حياتهم في خدمته، فأثمرت جهودهم كتبا عدة، حتى وإن لم تُقْرأ كتبهم بشكل جماهيري فالنقد كتابة نوعية وليس كتابة جماهيرية.

– بما أن تخصصك في نقد النقد هل يمكن تعريف القارئ عن هذا التخصص ودوره في العملية النقدية؟

• يحتاج النقد الأدبي إلى مراجعة، وتلك العملية يقوم بها ناقد النقد، وليس كل من تناول عملا نقديا يعد عمله في نقد النقد، نقد النقد تخصص له ضوابطه وإجراءاته، ذكرتها في كتابي (اتجاهات النقد الأدبي المعاصر في اليمن .. دراسة في نقد النقد) ..

– في ظل انتشار النقد الثقافي والآراء الإنطباعية وعزوف النقد الأكاديمي عن المشاركة أو ابتعاده كيف ترى العملية النقدية بشكل عام حاليًا؟

• لأن النقد الأدبي دراسة نوعية متخصصة فهو محصور داخل الدرس الجامعي، وبسبب مصطلحاته المعقدة وإجراءاته المطولة يمل منها القارئ العادى. لهذا يجب أن يراعي النقد الأدبي خصوصية الوسيلة، فحين ينشرون في وسائل التواصل عليهم أن يتخففوا من تلك المصطلحات والإجراءات المعقدة. النقد الأدبي في اليمن مازال يدور حول المضامين والقضايا، كان هناك بعض الدراسات التي تناولت لأساليب لكنها ظلت دراسات جامعية غير مقروءة. ولا تجد ذلك النقد الذي يتعدى ذلك إلى دراسة نظريات القراءة والتأويل وجمالية التلقي ..

المحور الثاني
●الدرامة اليمنية

– بما أنك كتبت ومازلت تكتب في النقد الدرامي. ما رايك في الدراما في اليمن؟

• حققت الدراما اليمنية تطورا ملحوظا في العامين الاخيرين، فقد اختفت كثيرا حالة التهريج التي كانت سمة عامة وملازمة للدراما اليمنية، تطورت الإخراج والتقنيات الفنية، وتطور بالمقابل وعي المتلقي فأصبح ينتقد بشدة، أتذكر في سلسلة همي همك لم يكن أحد يكتب مقالات نقدية غيري، بل العكس، كان الناس يستقبلونها بقبول وإعجاب، الآن تغير الوضع كثيرا فكثرت الكتابات واكتسب المتلقي وعيا فنيا جعله لا يتقبل بسهولة العمل الهابط.

– من وجهة نظرك ما مشكلة الدراما عموما؟. وعلى ماذا تقوم؟

• الاستعجال هو المشكلة الكبرى، وذلك استهتار من قبل صناع الدراما وممولوها. ‏تخيل معظم المسلسلات يتم تصويرها في رمضان، وهم يعتبرون ذلك حجة وعذرًا وهي ليست حجة ولا هو عذر، مالذي يجعلك تنتظر العام كله وتأتي تشتغل في رمضان.

– ما مدى تأثير الوضع السياسي على الدراما في المسلسلات اليمنية؟

• تضررت الدراما كثيرًا بسبب هذا الوضع المتشظي، وأدى ذلك إلى زيادة تكلفتها، مالذي يدفع منتجا ليسحب كل طاقم العمل ويذهب يصور في مصر أو الأردن غير السياسة وحساباتها وإجراءاتها. هذا غير الشروط والرقابة الصارمة وتدخُّل الرقيب حتى في إضافة مشاهد وحذف بعضها، يتدخل في صياغة الحوارات وإضافة شخصيات وإلغاء أخرى لحسابات سياسية، وذلك بطبيعة الحال يؤثر على جودة العمل.

– يرى صناع الدراما أن مشكلة الدراما تبدأ من ندرة النص الجيد. ما رايك؟

• ندرة النص وندرة الكُتّاب داخل تلك الفئة أو تلك الشلة، عندما يقول لك لا يوجد نص، فهو يعني لا يوجد أحد من أصدقاىه عنده نص صالح للعمل، متى أعلنت جهة معينة عن نيتها إنجار مسلسل ودعت الكتاب إلى التسابق في الكتابة أو تقديم ما لديهم. لم يحدث.

– لوحظ أنك تضع ملاحظات بشكل دائم حول بعض الفنانين والفنانات وتشيد ببعضهم، وتنتقد البعض. هل يجب على الفنان امتلاك ثقافة فنية إلى جوار الموهبة؟

• الفنان مشروع، وذلك المشروع عليه ان يتأهل تأهيلا جيدا ويطور نفسه ثقافيا وعمليا، يجب ألا يستهلك ذاته، وأن يحتفظ بمسافة بينه وبين المجمهور ليحتفظ بألقه وصورته ومكانته عند الجمهور.

– هل يؤدي الإخراج الخاطئ والتنفيذ غير الصحيح للنص الدرامي إلى مسخه من قبل المتحكمين في الإخراج والمونتاج ؟

• من حق المخرج أن يتدخل ويضع لمساته الفنية على العمل بما في ذلك إجراء تغييرات على النص الأصلي، ولا أعتقد انه يمكن ان يُمْسَخ، فما دام قد اختار المخرج هذا النص فذلك يعني أنه لاقى قبولا عنده وأنه رآه يستحق أن يتحول إلى مسلسل، فما الذي يدعوه إلى مسخه فيما بعد.

– هل ترى تقدم في الأداء الفني عند الممثل اليمني هذا العام أم تراجع؟

• ليس عندنا أزمة ممثلين. في اليمن ممثلون ممتازون منذ ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، المشكلة في استيعابهم وتوظيف إمكانياتهم، على سبيل المثال رأينا ممثلا يمنيا ظهر في العامين الماضيين بشكل رائع، وظهر هذا العام بشكل سخيف، المشكلة هنا ليست عنده بل في القاىمين على المسلسل.

 

– هل يؤثر رأي الجمهور المشاهد والجمهور مؤثر ويجب استجابة من القائمين على الدراما اليمنية؟

• لم يكن صناع المسلسلات يلقون بالا بالمشاهد وذلك عندما كانت هناك قناة واحدة تنتج المسلسلات وهي تعتمد على الإعلانات سواء حقق المسلسل نسبة مشاهدة عالية أو لم يحقق، لكن في السنوات الأخيرة عندما أصبحت نسبة المشاهدة تلعب دورا في نجاح المسلسل أصبح رأي المتلقي مهما، سواء كان هذا المتلقي ناقدا أو متلقيا عاديا.

في ما يخص الصنعة الدرامية. هل اختلاط اللهجات في المسلسل الواحد يخدم الدراما اليمنية أم العكس؟

• تتعدد اللهجات بتنوع المجتمعات داخل البلد الواحد، وتنوع اللهجة في العمل الواحد ليس مشكلة، المشكلة حين يتعدد في العائلة الواحدة، لان ذلك يتنافى مع (الإيحاء بالواقعية) الذي يجب أن يفعله العمل الفني، فقد يتقبل المشاهد لهجهة محتلفة رين الزوج والزوجة، لكنه لا يتقبل أن يكون لكل واحد من الإخوة والأخوات لهجته الخاصة مختلفة عن الآخر. ليس مطلوبا منك توحيد اللهجة لكل الممثلين في العمل الواحد، لكن بالضرورة توحيدها بين العائلة، وخاصة من يفترض بهم أنهم تربوا تربية واحدة في بيىة واحدة كالإخوة والأعمام.

المحور الثالث
●دردشة عامة

– كيف كانت بدايتك مع الكتابة والنقد؟

• كان لنا كتابات قبل دراسة النقد الأدبي والحصول على الدكتوراه، لكن تلك لا نعدها بدايات حقيقية. تبقى البدايات مجرد محاولات هاوٍ، الدراسة الأكاديمية زودتني بالمعرفة والمنهج الضرورين للكتابة النقدية.

يبدأ الإنسان أديبا شاعرا أو قاصا ثم ينخرط في المجال الأدبي دراسيا وأكاديميا ويصبح ناقدا ينشغل بدراساته عن الإنتاج الإبداعي . لكن الدكتور قائد خالف هذه القاعدة فجاءت مجموعته (القنينة) لتخالف ما اعتدناه.. ما تفسير ذلك؟

• لم يكن دخولي الكتابة القصصية دخولا قصديا، فلم أكن أخطط أو أنوي تأليف مجموعة قصصية. كنت كلما جاءت حالة أو فكرة ولم أستطع التعبير عنها بشكل مباشر أخرجها على شكل قصة، أي ان القصة كانت وسيلتي المؤقتة للتعبير عما لم أستطع البوح به. القصة تحميك من المساءلة واللوم والتأطير، فتهرِّب ما تريد قوله بطريقة لا يستطيع أحد أن يسجلها عليك أو يحاسبك عليها، تجمعت تلك الرسائل الملغّمة حتى شكلت مجموعة.

– بشكل عام يتهمك البعض بأنك تهاجم التجارب التي يجمع الناس على جمالها وتشيد بأعمال يجمع الكثيرون على سوئها.. ما رأيك؟

• عادة أعبر عن رأيي الشخصي دون اعتبار لآراء الآخرين حول نفس الموضوع، فلو اجمعت الكتابات حول كتاب أو قصيدة مثلا أنه رائع وأنا لا أرى فيه ما يرونه أقول ذلك دون تردد. وذلك الذي أكتبه ويغضب بعضهم هو نفسه الذي يحترمني الكثير بسببه، فمن ينزعج منك اليوم يشهد لك غدا.

– هل ترى أن من واجب الناقد ان يكسر الأصنام ويتصادم مع المجتمع؟

• على الناقد أن يقول رأيه بشجاعة سواء تصادم مع المجتمع أو اتفق معه، المعيار ليس توقعات الجمهور بل جودة العمل، وإن انصدمت مع الجمهور اليوم فسوف يأتي يوم يشهد لك نفس الجمهور أنك كنت محقا، وأقصد بالجمهور هنا جمهور الكتاب من أدباء ونقاد.

– ما ردك على من يتهمك بأنك تتحيز لأدب المرأة حتى وإن كان رديء؟

• واقع الحال ينقض هذا الكلام، فالكاتبات اللاتي قسوت عليهن أكثر ممن شجعت كتاباتهن. لكن المشكلة هنا تكمن في الأحكام المسبقة التي يتخذها البعض، فهو يرى مثلا أن فلانة تكتب أدبا رديئا وأخرى تكتب أدبا جميلا، ويريدك أن تكتب ما يتوافق مع وجهة النظر هذه. وبعض ما يقال لا أساس له من الصحة، فهم يقولون إني كتبت مقدمة لديوان فلانة وأثنيت عليه، وفي الحقيقة لم أكتب له مقدمة، إنما كتبت مقالة منفصلة (ليست مقدمة للكتاب)، هي عبارة عن قراءة موضوعية للعمل مجردة من احكام القيمة، أي لا تحمل إطراء ولا قدحا.

-يرى البعض أن دور الناقد حساس جدًا وعليه أن يلتزم بضوابط منهجية دقيقة ولا يجب أن يطلق أحكامه بسرعة و بسهولة؛ كي لا يكون تأثيره سلبي على المبدع و العملية الإبداعية. ما رأيك؟

• على الناقد ان يكتب انطلاقا من خلفية معرفية وأن يكون على دراية كاملة بالنظرية والمنهج الذي ينطلق منه ملتزما بمصطلحاته. وعليه أن يقول رأيه بشجاعة وصراحة، فالكُتّاب ليسوا أطفالا لنطبطب عليهم ونراعي مشاعرهم.

– عرفت بومضاتك النقدية السريعة- التي تخاطب القارئ السريع في مواقع التواصل- والتي يعارضها بعض المتخصصين بدعوى محدوديتها وسرعتها الخاطفة. هل ترى أن الومضات السريعة جزءا من العملية النقدية؟ وكيف ترى تأثيرها على المتلقي والمبدع؟

• على الناقد أن يراعي المقام والوسيلة التي يكتب عبرها، ومقام الفيسبوك لا يتطلب أن تكتب مقدمة منهجية لمقالتك، فليس من المعقول أن تكتب مقدمة منهجية لمقالة لا تتعدى صفحة ونصف أو صفحتين، ذلك المقام يتطلب أن تكتب وجهة نظرك مباشرة، دون مقدمات أو استطرادات غير ضرورية أو نتائج.

– هل لديك أي أعمال نقدية أو أدبية قادمة؟

• عندي كتابان ينتظران النشر، كتاب نقدي يضم داساتي النقدية والمقالات، وكتاب أدبي عبارة عن ومضات ونصوص عابرة للنوع ..

– كلمة أخيرة تود توجيهها ولمن؟

• كلمة شكر لمجلة أقلام عربية التي جاءت في ظروف صعبة جدا واستطاعت ان تستمر وتتطور وتكبر رغم تلك الظروف، وذلك بفعل الجهود الكبيرة لرئيسة تحريرها الأستاذة سمر الرميمة ومدير التحرير الدكتور مختار محرم. وكلمة شكر خاصة لك أخي العزيز وصديقي الشاعر والكاتب الجميل خالد الضبيبي ..

 

شاهد أيضاً

حشيدة الوجوه و الامكنة في رواية (مرايا الروح) للكاتب ؛محمود الحرشاني قراءة في الرواية بقلم الكاتب محفوظ الزعيبي

مرايا الروح- الرواية الجديدة للصحفي الأديب محمود الحرشاني..عدد صفحاتها126 من الحجم المتوسط..تشتمل على 26 فصلا …