لقاء : ملك العود – الموسيقار أحمد فتحي – يفتح قلبه و أوراقه لمجلة أقلام عربية / حاورته : رئيسة التحرير ( سمر الرميمة )

يقول زكي نجيب محمود في كتابه (الشرق الفنان): “إن الأفكار الكبرى التي غيرت العالم خرجت من عقول الفلاسفة والشعراء والفنانين”، ونحن الآن في حضرة فنان عريق ومتجدّد دائما له أفكاره الفنية الخاصة به، وله رؤى فنية غيرت بالفعل في مسيرة الفن اليمني على الأقل، وحين أتحدّث عن موسوعية الفنان أحمد فتحي أتذكر قول العقاد: “قد يحمل الرجل أرفع الشهادات في جيبه وهو أُمِّي فالطبيب أمي والمهندس أمي لأنه تخصص في فرع واحد وأهمل بقية الفروع، والإنسان الكامل من يعرف العلم ولا يجهل الفن أو يعرف الفن ولا يجهل العلم”. مسيرة ضيفنا الكبير حافلة بالإنجاز والاجتهاد والاعتماد على الذات والإرادة وحب الفن والحياة… وحتى لا أطيل في المقدمة لأن الحوار ذو شجون فعلا، وحتى لا أقلّل من لهفة القارئ لمصافحة الحديث المتدفق مثل خرير الماء من فنان له بصمته الخاصة في مجال الفن والموسيقى وله رؤيته الخاصة في واقع الفن في الوطن العربي أترككم مع الحوار:

حاورته : (سمر الرميمة / رئيسة التحرير)

– كيف كانت الانطلاقة الأولى للموسيقار أحمد فتحي؟

الانطلاقة الأولى كانت من الحديدة، كنت اصطحب معي آلتي الموسيقية وهي آلة الجالون التي صنعتها بنفسي في سن الثامنة، وفي سن الثالثة عشر انتقلت من الصفيح إلى العود العادي، ثم انطلقت إلى أول شركة إنتاج في الحديدة لتسجيل أول عمل فني وصفي لمدينة الحديدة، لحنته وسمّاه الشاعر “الحديدة الوديعة”، وسجلته على اسطوانة، وفي نفس السنة في الثالثة عشر من عمري وصلت الأسطوانة من اليونان إلى الحديدة، ونزلت الأسطوانة إلى الجمهور، ونجحت نجاحا كبيرا؛ هذا أعطاني ثقة ودفعة إلى الأمام.

– يحتاج المبدع في البداية إلى شيء ما يحرك داخله مكامن الإبداع.. فحدثنا متى كانت بدايتك وكيف؟

تلك المكامن حركها الموسيقار اليمني الكبير والفنان أحمد بن أحمد قاسم الذي زار الحديدة تلك الفترة وأنا في تلك السن أي سن الثالثة عشر، واستمع إليّ، وأعطاني الدفعة المعنوية الكاملة، ونصحني بالتوجه إلى عدن؛ لما بها من إمكانيات ستتيح لي فرصة الظهور والتعاطي مع الآلات الموسيقية الأخرى والفرق الموسيقية في عدن والإذاعة والتلفزيون، وقد أعطاني صورة كافية إذا أنا توجهت إلى عدن كيف ستكون النقلة، وهذا حرّك بداخلي الشعور القوي بأن أقدم على هذه التجربة الصعبة والقاسية، خاصة في السن التي كنت بها، وذهبتُ إلى عدن عن طريق الهروب؛ لأنه لم يكن هناك موافقة من الأهل لأتشجع على اتخاذ تلك الخطوة، وفي عدن حقّقت ما قاله الموسيقار أحمد قاسم من حضور، وأطلق عليّ في تلك الأثناء في أول احتفالية اشتركت فيها معه ومحمد سعد عبد الله ومحمد مرشد ناجي احتفالية واحدة لصالح محمد قاسم- وقد أطلقوا عليّ في تلك الاحتفالية لقب (الطفل المعجزة).

– من أين جاء لقب (ملك العود)؟

لقب (ملك العود) جاء بعد رحلة طويلة من العطاء والتراكم والخبرة والتجارب التي يمرّ بها أي مبدع، وبعد هذه العطاءات الكثيرة فالجمهور بالمقابل أعطاني ذلك اللقب (لقب ملك العود)، مع أني أعتز بجمهوري أكثر من الألقاب فمحبته لي جعله يمنحني ذلك المسمّى؛ وبالتالي فأنا أعتز بهذا اللقب الذي عاش معي أكثر من عشرين سنة تقريبا.

– أيّ الآلات الموسيقية أحب إلى نفسك؟

أحب آلة إلى نفسي هي آلة العود، وهي بالمقابل أعطتني كل أسرارها، وكما ذكرت أني بدأت بآلة الصفيح التي صنعتها بنفسي، ومن ذلك العهد أو تلك الفترة وحتى الآن فأنا أملك أعلى وأقيم وأثمن الآلات الموسيقية وهي آلة العود، أصبحت تُصنع لي آلات خاصة بي بمواصفات ومقاسات معينة إلى آخره، فآلة العود هي حياتي، وأستطيع أن أعبّر من خلالها بكل ما في خلجات نفسي من مشاعر سواء كانت غاضبة أو سعيدة أو متعطشة إلى شيء ما، وكل المشاعر الإنسانية التي تسيطر على الفنان تخرج نغما عن طريق هذه الآلة المحبّبة إلى نفسي وروحي.

– كونك مطرب وملحن وموسيقي أين تجد نفسك أكثر؟

كمطرب عندي عشرات الألبومات استقبلها الجمهور بحب ليس في اليمن أو في الجزيرة العربية فحسب وإنما تجاوز ذلك.. أما كملحن فقد غنّى من ألحاني الكثير من المطربين العرب، ومنهم على سبيل المثال وليس الحصر: المطرب العربي الكبير وديع الصافي، ولطفي بوشناق، سميرة سعيد، محمد الحلو، طلال مداح، أبو بكر سالم والكثير الكثير… وبالتالي فقد ثبت عند الناس كوني مطربا وملحنا، أما كموسيقي فقد وصلت موسيقاي إلى أكبر مسارح العالم، مع أكبر أوكسترا السيمفونيات العالمية، وكان آخرها في قاعة العظيم تشايكوفسكي في موسكو مع أوكسترا موسكو السيمفونية قوامها أكثر من (120) عازف وكورال، فالحمد لله هذه الجوانب غُطيت تغطية طيبة، وقد استقبلها الناس في كل مكان بكل ترحاب وحفاوة؛ وهذا أسعدني كثيرا.

– ما هو تقييمك للمشهد الموسيقي اليمني بشكل خاص والعربي بشكل عام؟

بالنسبة للمشهد الموسيقي في اليمن والوطن العربي.. في اليمن الفنانين في هذه المرحلة ظُلموا كثيرا بسبب المشاكل وبسبب الإهمال، والدولة لم تعتنِ بكل أنواع الفنون، فهي مُهمَلة إهمالا تاما، ويظل المجهود الفردي الذي يقوم به مجموعة من الشباب الموهوب مجهودا يشكرون عليه، ولكن لا بد من الدعم والتوجيه لهم، وأعتقد أن هذه المرحلة صعبة، وأنهم ظُلموا كثيرا، وبرغم هذا تظل اليمن وبدون شك ولّادة للمبدعين، فكما أوجدت عمالقة من قبل ستوجد حاليا مواهب حقيقية، وهي موجودة على الساحة ولا ينقصها سوى الفرص، ونتمنى لهذه المواهب كل التوفيق في أن ينجزوا، أما بالنسبة للوطن العربي فأرى أن هناك تراجعا كبيرا فنيا وموسيقيا، وللأسف فالإعلام يسلّط الضوء على ما يقدم من أعمال في معظمها سطحية ولا تليق، إلا من رحم ربي، فبعض الطفرات تأتي من هنا وهناك من مواهب حقيقية ولكن تظل محصورة؛ لأن الإعلام لم يسلّط الضوء على هذه الطفرات للأسف الشديد، نترك المشهد برأيي لفترة قادمة حتى تُتاح الفرص للمواهب الحقيقية، وهي موجودة في الوطن العربي، فقط هي بحاجة أن تُتاح لها الفرص وأن يسلّط عليها الضوء من قبل الإعلام لتثبت ذاتها، والله المستعان.

– في رأيك ما هو العصر الذهبي للأغنية اليمنية؟ 

العصر الذهبي للأغنية إذا أخذنا مصر كمثال فالعصر الذهبي هم: أم كلثوم وعبد الوهاب والسنباطي والقصبجي وأسمهان وليلى مراد، وإذا أخذناه في الجزيرة العربية أيام العطاء الحقيقي من الفنانين طلاح مداح وعبد الله محمد ومحمد عبده، فكانت الحصيلة الأخيرة من هذه الأسماء رائعة، وتقدّم أعمالا حقيقية، وبها من الإضافة والقيمة الكثير، ولا أريد أن أسمّي كل بلد لوحده لأن هناك الكثير، فمثلا في الكويت في الفترة الذهبية ظهر آنذاك من الفنانين: عوض الدوخي وعبد الكريم عبد القادر وغيرهم من المبدعين الكبار، أما في اليمن كانت الفترة الذهبية أيام الفنان محمد مرشد ناجي ومحمد سعد عبد الله ومحمد عبده زيدي وأحمد بن أحمد قاسم ومحمد جمعة خان وهلم جرا… وعندنا في الشمال من الفنانين علي بن علي الآنسي وعلي عبد الله السمة والسنيدار والأخفش والحارثي. كانت فترة ذهبية للأغنية ونرجو أن تعود الفترة الذهبية حتى تأخذ المواهب أحقّيتها وتتبوأ المشهد في اليمن وفي الوطن العربي.

– يعيش مجتمعنا العربي بعض الفوضى الفنية مبعثرة في طريقها مجموعة من القيم.. من المسؤول عن ذلك؟

باعتقادي أن الفوضى الفنية في الوطن العربي سببها شركات الإنتاج التجارية؛ فهي تفرض أحيانا على الكثير من المشتغلين في الإنتاج الموسيقي والغنائي- تفرض عليهم أشكالا موسيقية محددة، على أساس أن الجمهور يريد ذلك، وتقوم بإغرائهم بأن النجاح سيكون بتلك المواصفات؛ بالتالي تُتاح لهم مساحات إعلامية كبيرة، ومن هنا فتحت شهية أنصاف المبدعين، وبدأوا يشتغلون في هذا الجانب الذي لا إبداع له، فأصبحت المسألة فوضى كما ذكرتِ أنتِ للأسف الشديد.

– لليمن مكانة كبيرة في وجدانك ومنها انطلقتَ وحققت هذا النجاح الكبير.. حدّثنا عن اليمن وموقعه في قلب أحمد فتحي؟

مكانة اليمن في وجداني لا توصف ولا حدود لها، وقد ترجّمتُ تلك المشاعر في نص كتبه الدكتور الكبير -شفاه الله وأبقاه لنا رمزا نعتز به- الدكتور عبد العزيز المقالح، حيث لحنتُ له نصا يقول فيه: “في لساني يمن في ضميري يمن تحت جلدي تعيش اليمن خلف جفني تنام و تصحو اليمن.. صرتُ لا أعرف الفرق ما بيننا أيّنا يا بلادي يكون اليمن؟” وعملتها افتتاحية لمسرحية الفأر في قفص الاتهام، ثم أخرجت هذه النصوص والألحان من المسرحية وعملتها أوبريت لوحدها، وتغنى بها مجموعة من المطربين اليمنيين، وهي كانت تعبير حقيقي بما بداخلي تجاه اليمن؛ فاليمن بالنسبة لي هي الpower، والقوة التي تدفعني إلى التوجه إلى كل مكان بما أحمله من إرث موسيقي راقٍ وعالٍ، اليمن شيء كبير، واختزاله في إجابة صغيرة يعتبر ظلم كبير لليمن.

– هل الموسيقى قبل الكلمة أم العكس؟ وما هي معايير اختيارك للكلمة؟

إن معظم ألحاني أبنيها على كلمات قمت باختيارها، وقد تعاملت مع أسماء كبيرة وكان لي الشرف في ذلك، وبدايتي كانت مع الكبير إبراهيم صادق، هذا الرجل المبدع الذي لم يأخذ حقه لا حيا ولا ميتا للأسف، فأنا بدأت معه بأغنية (ليلتين) وأنا في الخامسة عشر من عمري بعد أغنية الحديدة التي حققت انتشارا واسعا في تهامة وأصبحت فنان مدينتي بفضل هذه الأغنية، فالأستاذ إبراهيم صادق وهو رجل صعب لا يعطي كلماته إلا لمن يعتقد أنه محل ثقة، وأنا كنت صغيرا آنذاك، لكنه أعطاني كلمات الأغنية وقال لي: “قم بتلحينها ثم أسمعني إياها”، فعندما أسمعته إياها شجعني وأعطاني بقية الكلمات، فبدايتي كانت عظيمة لأنها مع إبراهيم صادق، وكما يقول بعض الفنانين الواعين (بداية فخمة)، ثم في تلك الأثناء غنيت للأستاذ محمد العديني وهو أستاذ اللغة العربية الكبير الذي علم الأجيال، ثم الأستاذ عبد الله غدوه وهو من تهامة، وفي سنة ١٩٧٤ انطلقت للقاهرة، وتعرفت على الدكتور عبد العزيز المقالح الذي كان يدرس الماجستير في القاهرة وأنا كنت في الثانوية، وبدأت رحلتي مع الدكتور المقالح، ثم مع صديقي وزميلي الشاعر محمود الحاج الذي عملنا معا عشرات الأعمال في أكثر من أربعين نصا، فكل من تعاملت معهم هم من الكبار، فكان النص يسبق اللحن في بعض الأحيان، وأحيانا عندما يهجم اللحن ويفرض نفسه عليّ أقوم بعمل اللحن وأكلف أحد هؤلاء الأصدقاء الشعراء بكتابة نصوص لهذه الألحان، فأعمالي كانت بهذا الشكل، معظمها تلحن نصوصا جاهزة وموجودة لديّ مختارة ومرتبة ومراجعة ..إلخ وبعضها كان يُكتب عليه أي أن اللحن يسبق النص.

– هل تأخذ كلمات أغانيك و ألحانك من شعراء وملحنين معيّنين أم أن لديك استعداد لأن تتعامل مع شعراء مبتدئين؟

أنا ألحن لنفسي ولا آخذ ألحاني من أحد، أما الكلمات فكما قلتُ لكِ سابقا أني آخذها من الشعراء الذين ذكرتهم، حيث أنهم رافقوني طوال رحلتي الفنية الطويلة، ولكن هذا لا يعني أني لا أغني لموهوبين مبتدئين؛ فأنا غنيتُ لموهوبين كثر، فمن الشباب الذين تعاملت معهم وهم تقريبا لم يكونوا قد كتبوا لأسماء غير الأسماء المحلية، وبعضهم ربما كان في بداياته ويكتب لأول مرة، الدكتور إبراهيم أبو طالب، والأخ الأستاذ سعيد نور، والأخ عبد الهادي الأثوري، والأخ عبد الرحمن المضواحي، والأخ عبد الهادي الخضر رحمه الله، وآخرهم الآن محمد الدفيني، كل هؤلاء تعاملت معهم للأخذ بأيديهم، ولكي تصل أعمالهم للجماهير حتى يأخذوا الفرصة الطيبة، وهم كلهم في الحقيقة أساتذة، ولكن لم تكن هناك فرصة مناسبة لأن يظهروا أعمالهم فكان هذا التعاون، ويوجد كثير من الشباب الذين أتناول نصوصهم، وهذا من واجبي أن أمد يد العون للشباب والموهوبين.

هل تعاونت مع فنانين شباب وأخذت بأيديهم؟

نعم تعاملت مع فنانين شباب مطربين وأخذت بأيديهم، ومن ضمنهم حسين محب أخيرا عندما جاءنا إلى القاهرة وأعطيناه لحن، وهناك أوبريت شباب الثورة السلمية إذ أن مجموعة المطربين فيه كلهم شباب وأنا تبنّيتهم حيث كانوا يغنون في الساحات فقط لكنهم غير معروفين، فهذا الأوبريت لو تشاهدونه ستجدون أربعة أسماء لمطربين غير الموسيقيين، فالحقيقة عملنا ما نستطيعه مع كثير من المواهب اليمنية سواء في عدن أو في صنعاء أو في الحديدة أو في حضرموت… وهم كُثُر، كما أنني على استعداد أن أعمل تعارف بين الملحنين المبتدئين والمطربين ليعملوا مع بعضهم البعض، فكما مُدّت لي يد العون من الكبار قديما من واجبي أن أمد يد العون للمبدعين الآن في الساحة الفنية.

– كيف ترى اليمن وأنت في مصر؟

أنا أسكن في مصر ولكن روحي في اليمن، في بلدي، وأرى كل شيء وأتألّم وأتوجّع وأحزن كثيرا، ولا أدري هل هي دعوات أجدادنا أن يفرّق الله شملنا!، أنا لا أفهم ما الذي يحدث لبلادنا فهي من محنة إلى محنة، نسأل الله اللطف والسلامة.

– هل بقاء الفنان داخل اليمن يعيق رحلته الإبداعية؟ وما الذي يضيفه الاغتراب للمبدع اليمني؟

الخروج من البلد بالنسبة للفنان إن كان فنانا حقيقيا قد يساعده، المهم أن تكون لديه القدرة على الإضافة؛ لأن هناك فنانين لم يخرجوا من اليمن واشتهروا في الداخل والخارج أمثال الفنان الراحل محمد سعد عبدالله، والفنان محمد مرشد ناجي، هم غادروا كزيارات عادية ولم يقيموا خارج اليمن، والسبب في انتشارهم خارج اليمن لأن لديهم القدرة على أن يوصلوا إبداعهم خارج الحدود، فبالتالي العملية متداخلة وتعتمد على قوة وقدرة الفنان نفسه.

– ما اهم المواقف التي تعرّضت لها وأثرت فيك إنسانيا وفنيا؟

من المواقف التي تعرّضت لها وكان لها تأثيرا كبيرا عليّ نفسيا وإنسانيا الناس الذين يعيشون في العشش في تهامة، يعيشون حياة الضنك والعوز، والجميع ينظرون إليهم بلا رحمة ولا شفقة، وأخيرا السيول جرفت تلك العشش، فهذا يحرّك في الإنسان العادي أشياء كثيرة تؤلمه، فما بالكِ بالإنسان الشفاف.

– بِمَن مِن الملحنين تاثرت؟

تأثرتُ في بداياتي بالموسيقار فريد الأطرش في التلحين والعزف، وبالموسيقار أحمد بن أحمد قاسم رحمه الله، وكذلك محمد سعد عبدالله، والمرشدي، وأنا حين بدأت وأنا صغير بأغنية (ليلتين) كان تأثري بمحمد سعد واضحا أيامها، مع أن الموهبة كان تفرض شروطها الخاصة عليّ، موهبتي تتدخل في كل شيء وتصلح المسار الذي يخصني أنا، ولم أكن أدرك هذا، أدركته بعد عقود، أي أن هذا اللحن لا يشبه أحمد فتحي، أو لا يمثل بصمتي الخاصة، فبلا شك أني تأثرت بهم واستفدت من تجاربهم.

– قدمت اليمن للمكتبة الفنية العربية أصواتا وأسماء عظيمة منها أحمد فتحي وأسماء كثيرة لا مجال لحصرها هنا.. مَن تعتقد من الأصوات الشابة يمكن أن يواصل هذه المهمة كسفير للأغنية اليمنية خارج اليمن؟

تحديد اسم معين أو اسمين أو ثلاثة ليكونوا حاملين مهمة الفن اليمني أو كسفراء للأغنية اليمنية.. الحقيقة لا أستطيع تحديد أسماء معينة لأن المواهب الموجودة في اليمن وخارجه من الشباب كثيرة، مثلا في أغنية رمضان الجديدة لهذا العام والتي حملت عنوان (مرحبا رمضان) وسجلتها في الأستديو بالقاهرة جاءت خمسة أصوات يمنية للكورال، كل صوت منهم يصلح لأن يكون صولست، وأن يكون سفيرا لبلده في نقل الأغنية للخارج وللداخل أيضا، كلهم موهوبين لديهم مواهب كبيرة وقدرات عالية، ويوجد أمثالهم كثير أيضا لم يحضروا للأستديو ولكن موجودين معنا في القاهرة وفي اليمن؛ فالمواهب موجودة ولكن مشكلتهم أنه لا يوجد من يتبناهم أو يدعمهم ويدفع بهم إلى الأمام؛ لأنه لا توجد لدينا شركات إنتاج ولا يوجد وعي من قبل الحكومة بأهمية الثقافة والفنون والأغنية والموسيقى وتأثيرها، وبالتالي كان الله في عون هؤلاء المبدعين، ولابد أن تأتي لهم فرص إن شاء الله.

– مَن المطرب الذي إذا استمعت إليه تقول: الله؟

الأسماء التي أستمع إليها من المطربين وأقول (الله) إعجابا وتقديرا ونشوة.. دعينا مبدئيا نقول الست فيروز، فيروز العظيمة..

– كان الشاعر الأستاذ محمود الحاج ضيفا على أقلام عربية وتطرقنا للثنائي الغنائي (الحاج – فتحي) الذي أثرى المكتبة الغنائية اليمنية والعربية بأغانٍ جميلة وخالدة.. نريد أن نقرأ عن هذه التجربة بكلمات أحمد فتحي.. الصديق والشاعر والإعلامي الكبير الأستاذ محمود الحاج شفاه الله تعرفت عليه في القاهرة، وقد أوعز إليه الدكتور المقالح بأن هناك شاب في المعهد العالي للموسيقى العربية يدعى أحمد فتحي لا بد أن تلتقيه؛ فسأل عليّ الأستاذ محمود وأنا أدرس في المعهد فلم يجدني ولكنه ترك عنوانه، خرجتُ يومها من الدرس وعودي في يدي، وذهبتُ إليه وكان يسكن في العجوزة، فاستقبلني استقبالا حارّا، وحددنا موعدا للقاء فنيا آخر، فاندهش وكتب عني مقالا طويلا، وبدأ يعرض عليّ بعض النصوص وبدأناها بأغنية (أجيبيني) وهي من أخلد وأروع ما كتب، وأعتقد أني قد توفّقت بتلحينها في ذلك السن ؛ لأنها كانت قصيدة تفعيلة حديثة، وليست كالنصوص التقليدية؛ وبالتالي أنا اجتهدت باللحن وترجمته ترجمة موفقة؛ حيث إنها عملت حضورا غير عادي خاصة في أوساط الأدباء والمثقفين والشعراء، وبدأت التجربة من حوالي 1976م إلى اللحظة؛ فآخر لحن قمتُ به قبل أيام نزل في 1 رمضان اسمه (مرحبا رمضان) وهو من كلماته، ومعظم الأغاني التي عملتها من كلماته غناها معظم مطربي الخليج في دول مجلس التعاون والجزيرة العربية من كلماته وألحاني مثل أصيل أبو بكر، راشد الماجد، عبد المجيد عبدالله، خالد الشيخ وكثيرون… فكانت تجربة في الحقيقة غنية وطويلة وممتدة وأثّرت في الناس، واستقرت في الذاكرة الجمعية لشعوب الجزيرة العربية.

– ما اللحن الذي تحب أن تدندن به بينك وبين نفسك؟

اللحن الذي أدندن به بيني وبين نفسي هو لحن لقصيدة ابن زريق البغدادي، هذا النص العظيم العظيم العظيم:

“لا تَعذَلِيه فَإِنَّ العَذلَ يُولِعُهُ

قَد قَلتِ حَقاً وَلَكِن لَيسَ يَسمَعُهُ

جاوَزتِ فِي لَومهُ حَداً أَضَرَّبِهِ

مِن حَيثَ قَدّرتِ أَنَّ اللَومَ يَنفَعُهُ

فَاستَعمِلِي الرِفق فِي تَأِنِيبِهِ بَدَلاً

مِن عَذلِهِ فَهُوَ مُضنى القَلبِ مُوجعُهُ”

لحنتها أكثر من ثلاثة عقود، ولا يزال اللحن موجودا عندي ولم أقتنع في أن يغنيه أي صوت سوى صوت معين وجديد من الشباب وهو مصري، فإذا توفّقنا في أن نجمع بعض المال من أجل أن ننفّذه بفريق موسيقي يليق بالصوت والنص فسنفعل إن شاء الله.

– بلقيس أحمد فتحي (هذا الإبداع والجمال والتألق) كيف بدأ ومتى؟

بلقيس بدأت أكتشف موهبتها في سن السابعة، أي أنها سبقتني بعام في الموهبة؛ أنا بدأت في الثامنة وهي في السابعة، كنت أول ما أدخل إلى الصومعة لأبدأ التلحين والعزف كانت تترك اللعب مع الأطفال وتأتي إليّ فأقول لها: “لماذا لا تلعبين مع الأطفال؟”، فتقول: “أريد أن أجلس بقربك وأستمع إليك”؛ فاكتشفتُ ميولها المبكر للموسيقى والغناء؛ فبدأتُ بتدريبها شيئا فشيئا حتى وصلت إلى السابعة عشر، وأدخلتها جامعة القاهرة كلية الطب، وكنت أحدّد لها زمنا للاستماع فكانت تستمع لأم كلثوم وفيروز وأسمهان، وتحفظ، ثم ألتقي بها نهاية اليوم وأستمع إلى محفوظاتها من هذه الأعمال والأغاني الكبيرة، وكان لديها حب الإضافة، وهذا ما جعلني أتأكد من موهبتها، فكانت تقول: “سأغني لك لأم كلثوم وسأضيف إليه إحساسي”؛ فتأكّدتُ أنها فنانة مطبوعة.

– الأغنية اليمنية ما موقعها في الساحة الفنية العربية؟

الأغنية اليمنية هي أساس، هي من أسّست للأغنية في الجزيرة العربية سواء في الجانب التراثي مثل الصوت انطلق من اليمن، أو الأغنية الحمينية من اليمن، والأغنية الغزلية من اليمن ثم تجاوزت إلى البلدان الأخرى؛ فمثلا أغنية (يا بنات المكلا، يا دوا كل عِلّة) تجاوزت وتغنّت بها كل الأقطار العربية، فالآن تراجع الدولة في الاهتمام بالفن أو الأغنية جعلها ليست في الصورة كما ينبغي، وهذا حال مؤقت.

– كلمة أو رسالة لمجلة أقلام عربية..

أخيرا أشكر مجلة أقلام عربية، المتوهّجة والتي وصلت في فترة قياسية إلى كل مكان، وأنا أتابعها لتميّزها وللحضور الكبير الذي أنجزته وحققته، وللأسماء الكبيرة التي أنتمت إليها، وأنا شديد الاعتزاز بهذه المجلة وهذا الصرح الثقافي االذي بني على مجهود أفراد مؤمنين بقضية الثقافة والأدب والعلم… إلخ، والشكر موصول لكِ يا أستاذة سمر؛ فأنا شديد الاعتزاز بكِ، وبقلمكِ الراقي والجميل؛ فلكِ التحية والمحبة، وللجمهور العزيز كل التقدير والاعتزاز.

شاهد أيضاً

رابط تحميل العدد الرابع والثلاثين ( 34 ) من مجلة أقلام عربية

لتحميل العدد الرابع والثلاثين (34) من مجلة أقلام عربية اضغط على الرابط  https://drive.google.com/file/d/12NjDemkIWM6hh22jA5tXNL-luxnMtt_Z/view?fbclid=IwAR2yW55BRWpG6yPZqPFCMal5AB0n3AxdMSTrZErOCQ6ykG_JSk9Ha-c5FH4 * مع …