طَـالَ اغْـتِــرَابي
يَـدُ الـضّـــراعَـةِ قَـــدّتْ زُخْـــرُفَ الـحِــيَـلِ
فـعـانَـقَــتْــني مِــيـــاهُ الأوْبِ فـــي الـمُـقَـلِ
ولُـذتُ فـــي عِــفّـة الــعَـذراء مُـنْـصــهـراً
في لُـجّـــة الـمَــوجِ أكــوي سُــــتـرةَ الـبَـلَـلِ
الــرّملُ ذاكِــرَتــي، والــخَـطْـــوُ قـافِـلَـتـي
والـزّهــرُ أقـبـيـَــتـي، والـعِـطـــرُ مُـرتَـحَـــلي
الـــذَّوْبُ أنْــسِــجَـةٌ، والـسّــحْـرُ أغْـنِــيَـــةٌ
والـمَـجـــدُ أجْــنِـحَــةٌ فــــي دارةِ الــنَّــقِـــلِ
اللهُ! كـم صَــخْــــرةٍ مَـــرّت بِـذاكِــرَتـي
وكـم “زيـوسَ” هَـمى مِــنْ أمْــرهِ جَــدَلـي
مـلـيـونُ “سـيـزيـفَ” يـا ربّـــاهُ يَـحْـمِــلُـها
عـكـسَ الـيَـقـيـنِ، إلـى الـقَـيّـوم لـم يَـصِـلِ
أطَــالَ عُـــمْــرَ الأمَــانــي فــــي تَــقَــلُّـبِـهِ
وقَــشّـــر الــعَـــبَـثَ الـحَــتْـمـيَّ بـالـخَــطَـلِ
وَكَــمْ عُــبَــيـدٍ أتَـــــى لِـــلّــه مُـنْـكَـسِـــراً
تَـنَــفّـــسَ الـوَحْـــيَ مـــــن دَوّامَــــــةِ الأزَلِ
نُوَضِّئُ الــشّــكَّ مــــن أنــهـار غَـفْـلَـتـِـنا
ونَــتْــرُكُ الـعُــمْـرَ مـَصـــلـوبـاً عـــلـى طَـلَـلِ
**********
عَــرَفْـتُـكَ اللهَ، يـــا ربّـــي بِـمِــئْـــذَنَـةٍ
طارتْ إلى الأفْــقِ، تَـقْـفو شـهـقةَ الـرُّسُــلِ
عَـرَفْـتُـكَ اللهَ فــي أهْـــدابِ مُـعْـجِــزَةٍ
مـن هــاءِ اِســـمِـكَ رفّــتْ رعـشـةَ الـجَـلَلِ
فـي ظِــــلّ دَمْــعَــةِ مِـسـكــينٍ يُـرَتّـلُـهـا
تَـنْـويمةَ الــهَـــمّ فـــي أيـقـــونَــةِ الــوَجَــلِ
في وجـه أمّـي، أراهـا وهْــيَ تُـودِعُـــنا
عــنْــدَ الإلــهِ، وتَـحْـنـي دمـعـــةَ الـخَـجَــلِ
فــي قَــلـبِ أمّــيَ، إذْ تَـحَـــدّى قَـلــبَـها
سَـــقـفُ الـحَـنينِ فَـفَـاضَــتْ دمْـعـةُ الـبَـتَـلِ
فـــي سَــطْـرِ سُــنـبُـلةٍ تـعـلّـقَ عـطـرُهـا
فـي كَــفّ والــدتـي خـبـئـاً، ولـــمْ يَـــزَلِ
فَـنَـاوَلَـتْهـا أبي فـي الـحَـقْـل يـزرعـها
ويَـنْحتُ الـحبَّ، كـيْ تَـغْـفــو عـلى مـهَــلِ
وتَـسـتـفيقَ عـلى المعنى الّذي شَــربَتْ
غِلالَ قَــمْـحٍ، وقُــدّاســــاً، وبَـعـضَ حُــلـِي
**********
كمْ ذَوّب الـشّـوقُ أجْـفاني وأسْــهَـرَها
كَـم ســـافَـرَ الـوجــدُ والأغـيارُ في شُـــغُـلٍ
ولّـيْــتُ ظَهـرِيَ لِـلأشـياء تَـخْـطِـفُـني
أغـيـبُ فـيـها، وتَـغـفـو بالـنّـوى سُـــبُــلـي
وأوّلُ الــحـُــبّ لِـلْــمَـــولَـــى وآخــــرُه
إن صَــحّ وصــــلٌ فـذلـك مُـنْـتَــهى أمـلـي
حُـبّــي إلـَـيـكَ مــدى الأيّــام يُـلـبِسُــني
ثـوبـاً مِـنَ الــرّوحِ، بـَلْ روحـــاً مِـنَ الـحُلَـلِ
فَـفـي الــتّـخــلّي أرانـي فـيـكَ عارفـةً
وفــي الـتّـحــلّــي أرى إيـــمـــاءةَ الـعـَــذَلِ
وفي الـتّـجــلّي دُنُـــوٌّ لا ضِـــفـافَ لَــهُ
حـــالٌ مِنَ الـقُـرب يَــجْــلو الـرّوحَ بـالـنِّـحَـلِ
**********
طال اغْـترابيَ، كانونَــيْـن مِنْ حُـجُــبٍ
عُـصفـورُ شَــوقٍ رَمــاهُ الـحـظّ بـالسّــفَـلِ
جسمي عصيٌّ على الطّـاعاتِ، يخـذِلُني
وقـتَ الصّـلاةِ، ويُـغـري الـنّـفــسَ بالعِـلَـلِ
وَلِي فُــؤادٌ عَـلـى الأيّـــام مُـحْــتَـسِـــبٌ
يُـفَـجّـــرُ الــدّمـعَ آيـــاتٍ لَـــدى الــوَشَـــلِ
مـالي سـواكَ، فكُن سمعي، وباصِرَتي
واشْــرحْ فُـؤاديَ، واعْـصِـمْـني مـنَ الـزّلَـلِ
لــمّـا تَــبَـدّى لـــدى شـريـان أســـئـلتي
وَلــوّحَ الـشّـــــكُّ فــي تَـنــهــيدةِ الـطَّــفَـلِ
تَخِـذْتُـكَ اللهَ نـَبْـضــاً فــاقَ أُحْــجِــيَـــتي
عُـمــراً مِنَ الـضّـوء، أنْـفـاســاً مـن العَــمَـلِ
في حَضرة الحـبّ، لا لَوحٌ، ولا حُـجـبٌ
(فَـلِـي حَـــبـيــبٌ بِـلا كَـــيْــفٍ ولا مَــثَــل)
فـاطمة أحمـــد فـجـر