فيلم ” أمبراطورية الضوء ” رسالة حب حقيقية الى السينما

 

فيلم ” إمبراطورية الضوء ” رسالة حب حقيقية إلى السينما

علي المسعود

 

الفيلم الجديد للكاتب والمخرج سام مينديز ( أمباير لايت) أو أمبراطورية الضوء وتدور أحداثه في دار عرض سينمائية ساحلية صغيرة خلال سنوات الثمانينيات من القرن الماضي . تبدأ مادة السيرة الذاتية وتنتهي مع هيلاري سمول ( أوليفيا كولمان) ، وهي مديرة مضطربة ومحبطة تعمل في  دار سينما إمباير التي تقع على الساحل الجنوبي لإنجلترا  (تم تصوير الفيلم في مدينة ماركيت ) ، وتقع أحداثه في عام 1981 ويعتمد على ذكريات  المخرج ” سام مينديز ” عن السينما في سن المراهقة ونشأته مع أم مريضة نفسياً – ثنائية القطب -( وهي الروائية والشاعرة فاليري مينديز البالغة من العمر 82 عاما تحب الفيلم ، كما صرح لصحيفة الغارديان) يجعلها تتصرف بغرابة وبسلوك غير المنتظم .  

“إمبراطورية الضوء ” أول فيلم يتم كتابته بالكامل من قبل مينديز ، الذي  وصفه بأنه”رسالة حب إلى السينما”. يلعب الممثل المعروف ” كولين فيرث” دور مالك صالة السينما وتربطه بهيلاري سمول (أوليفيا كولمان) هيلاري علاقة سرية وهي على أعتاب منتصف العمر . إنها تعيش بمفردها وتأكل بمفردها ، ويبدو  لديها القليل من الحياة الاجتماعية خارج علاقتها الودية بزملائها وعزلتها هذه تؤثر  نفسياًعليها . هيلاري قارئة  للشعر ويبدو أنها شخصية لها ميول أدبية تظهر في غير محلها في عملها اليومي وهو الإشراف على مبيعات التذاكر ، وتوزيع الفشار والحلوى ، وتنظيف المسرح ، وترتيب مكتب المدير إليس ولا تبدو عليها الملل ولا تبدو بائسة .

في بداية الفيلم الذي يصادف قبل عيد الميلاد بقليل ، حين عادت هيلاري إلى العمل بعد أن مكثت في مستشفى للأمراض العقلية فترة زمنية ، تظهر في مكتب طبيبها وتخبره بشعورها “بالخدر” ، وهو ما ينسبه إلى الليثيوم الذي تتناوله. (إنها تكذب عليه بشأن وجود عائلة وأصدقاء للتحدث معهم) . هيلاري أيضًا على علاقة من نوع خاص مع رئيسها السيد إليس (كولين فيرث)، وهو رجل متزوج ولكن علاقته فاترة مع زوجته . في فترة الكريسمس وأعياد الميلاد قام المدير إليس بتعين موظفًا جديدًا للمساعدة في بيع التذاكر والمساعدة في الاعمال الاخرى ، وهو ستيفن موراي (مايكل وارد) ، شاب مرح وشغوف يميزه عن الآخرين ذكاءه  وفضوله وصاحب طموح في إكمال دراسته في الهندسة المعمارية ، لكنه يعاني من التميز العنصري بسبب لون بشرته ، شكًل مع وهيلاري صديقين حميمين ثم  أصبحا فيما بعد عاشقين .  الشاب ستيفن هو البادئ في السعى إلى الصداقة  مع هيلاري رغم فارق السن بينهما . ستيفن الشاب الذي يحمل الطموح في الذهاب إلى الجامعة كي يصبح مهندسًا معماريًا وشجعته هيلاري على متابعة حلمه . وبفضل تلك العلاقة مع ستيفن بدأت هيلاري في الخروج من قوقعتها وأزمتها النفسية . الشاب ستيفن يعيش في المدينة التي تعج بالعنصرين الذين شجعهم السياسيون البريطانيون في فترة رئيسة الوزراء ( مارغريت تاتشر ) وسياستها العنصرية في ممارساتهم الغير إنسانية ،  أنهم يضايقون ستيفن في الشارع ويتحولون إلى خطر متزايد يهدد حياته . في هذه الأثناء ، تبدأ علاقته بهيلاري في التأثير على كليهما  حيث يبدأ زملائهم في العمل في الشك في شيء ما . تعيد هيلاري تأصيل نوع العلاقة  الغير متوازنه التي كانت تربطها مع مديرها إيليس ولاتخرج من حيزها  وهي علاقة  مدير مع موظفة . يبني المخرج والكاتب ” سام مينديز ” الفيلم بشكل أساسي في مشاهده على الحوار الذي غالبًا ما يبرز بشكل متميز، والذي يظهر أبطاله وهم يثقون بأنفسهم ويعترفون بمشاعرهم ، ويكافحون للتعبير عن أنفسهم ويبدأون في العثور على القوة للقيام بخطواتهم الجريئة .

تتمحور أحداث “إمبراطورية الضوء” الهادئة والمتأصلة لسام مينديز حول أشياء كثيرة وعدة مواضيع وهذه هي المشكلة. كاتب الفيلم وهو المخرج نفسه غير متأكد عن أي موضوع يريد التركيز عليه طوال الوقت . يبدأ كقصة حب بسيطة بين شخصين لا يتناسبان تمامًا مع العالم ( بسبب فرق العمر الكبير وأختلاف اللون) ومن ثم تتغير البوصلة إلى انعكاس غريب لفكرة “المرأة الهستيرية” ، يتخلله تعليق فاتر عن العنف العنصري في إنجلترا. أوليفيا كولمان ومايكل وارد هما أكبر نقاط القوة في شريط مينديز المبهمر إلى جانب إبداع المصور السينمائي روجر ديكنز . الممثلة القديرة أوليفيا كولمان تظهر رقيقة وحقيقية في تصويرها لامرأة وحيدة للغاية ، وتبدومزاجية وسريعة الغضب وتنفر في الحال من حولها وغير قادرة على قبول المساعدة التي يقدمونها لها على خلاف مع توازنها العقلي . الطريقة التي تتحرك بها الكاميرا بين الصالات والسلالم وغرف العرض رائعة ومميزة ،  حيث  تعكس الكاميرا إلى فضاء السينما من صالة العرض والعاملين فيها بحب وحنين ، المبنى بأكمله  يتلون بدرجات اللون الأحمر والأخضر . الزي الرسمي للموظفين (الماروني الباهت والبني )، وهذا اللون يسود عالم سينما أمباير بأسره .  خلاف ذلك ، يبرز اللون الأخضر في كل لقطة تقريبًا. يتم لفت الانتباه أيضًا إلى اللون الأخضر من خلال القصيدة الأخيرة التي طلبت هيلاري من ستيفن قراءتها أثناء مغادرته إلى بريستول . قصيدة  الشاعر فيليب لاركن “الأشجار” لها سطر يقارن الخضرة بالحزن ، وكذالك تشير القصيدة الى الموت والألم  ، على الرغم من كل ذلك  تنتهي القصيدة بالأشارة الى ومضة من الأمل .

 أهم الشخصيات الرئسية في الفيلم  :

هيلاري سمول: التحرر من العزلة

هيلاري إمرأة عزباء تعيش بمفردها وتعمل في سينما “إمباير” ، الواقعة في مكان ما على الساحل الجنوبي لإنجلترا . نكتشف بأن هيلاري تتناول عقار الليثيوم ، وهو دواء يستخدم لعلاج اضطرابات المزاج مثل الفصام والاضطراب لثنائي القطب ، رغم إنها تعمل في السينما لكنها لم تشاهد فيلمًا من قبل  بالأضافة الى إنها في علاقة مسيئة مع مديرها الذي يستغل مرضها العقلي وضعفها ، وهي وحيدة  تتبع الروتين وتعيش حياة عادية. عندما ينضم ستيفن الموظف الجديد  إلى الإمبراطورية ، تبدأ هيلاري في الإعجاب بالشاب بسبب معاملته  الحنونة لها. لقد عانت هيلاري من السلبية فقط من الرجال في حياتها متمثلة في مديرها وكذالك والدها (كما علمنا لاحقًا في الفيلم) ، لذلك عندما أظهر لها ستيفن طبيعته الحانية من خلال علاج الحمامة المكسورة الجناح على سطح بناية سينما إمباير أنجذبت اليه . يشترك الأثنان بمعاناتهما  المشتركة والتي تنبع من معضلات داخلية وخارجية ، لكنهما  يحاولان معًا في الهروب منها . يتبع سيناريو مينديز  حياة وسلوك هيلاري على مدار عدة أشهر ،  تبدأ خلالها علاقة غرامية مع زميل جديد في العمل ستيفن (مايكل وارد) ، وهو  شخص لطيف ومهتم ويحاول نقل هيلاري من حالة والتشتت والكآبة. عندما تبدأ هيلاري علاقتها مع ستيفن تنهار. صحيح أن ستيفن مفيداً ومحباً لها ، لكن عندما تتوقف عن تناول عقتر الليثيوم  تبدأ الأمور في التدهور نحو الأسفل ، عندها تحاول عزل نفسها وألابتعاد عن الجميع بما فيهم ستيفن .

 هيلاري الهادئة (كولمان) هي مديرة (أمباير ) المتفانية مع باقي الموظفين من كادر السينما وهم من السكان المحليين صغارا وكبارا ، مع الوافد الجديد ستيفن (وارد) أحدث عضو في الطاقم ، تصبح الأمور مثيرة للاهتمام عندما تستسلم هيلاري وستيفن لجاذبيتهما المتبادلة ويبدآن علاقة شبه سرية. يسافران إلى الشاطئ  . لكن هيلاري لديها ماض لا يتحدث عنه موظفوا  الإمبراطورية . إنها تكافح المرض العقلي ، وتؤدي علاقتها المزدهرة مع ستيفن إلى نوبات عاطفية غير متوقعة وأوهام شبه ذهانية. تصادف أنه رجل أسود وابن مهاجر ، يعيش في بلدة ذات أغلبية بيضاء .  تم النظر إلى كل من ستيفن وهيلاري بازدراء في المجتمع الذي عاشوا فيه. ستيفن بسبب عرقه ، وهيلاري بسبب مرضها العقلي وعزلتها. في وقت لاحق عندما تم إرسالها بعيدًا لتلقي العلاج والعودة من جديد ، لم تعد مع ستيفن بعد الآن وعادت إلى الشعور “بالخدر”. وفي مشهد الذي هاجم فيه المحتجون العنصريون الشاب ستيفن يبرز عجزها في الدفاع عن حبيبها  وحينها كانت مثقلة بفكرة عدم قدرتها على فعل أي شيء له . وعند تترددها في زيارته يتمكن الموظف نورمان وحتى لاتشعر بالندم ،وينجح نورمان بإقناع هيلاري  بالذهاب  لرؤية ستيفن والتوقف عن الهروب منه. حتى ذلك الحين ، كان  ملاذ هيلاري هو قراءة الشعر وكان الدواء لها . كانت كثيرة القراءة والاستلهام بالعديد من القصائد على مدار الفيلم ، بما في ذلك قصائد الشاعر البريطاني فيليب لاركن “الأشجار” في كتابه النوافذ العالية ونشرت في عام 1974  وكذالك قصيدة ” رنين أجراس البرية” (لألفريد تينيسون ) التي نشرت في عام 1850 .

 بعد أن قامت هيلاري بزيارة الى بيت ستيفن ، عادت إلى السينما وطلبت من نورمان أن يعرض عليها أي فيلم من اختياره . (تعترف بأنها لم تشاهد فيلما هناك من قبل) . لذلك جلست وهي مشدودة ومفتونة بفيلم ” الوجود هناك”  للمخرج ” هال أشبي ” الذي أنتج عام 1979 بطولة الممثل والمشاعر  بيتر سيلرز . تأثرت هيلاري بشدة بهذا الفيلم  لانه حرك فيها الكثير من الشجون ، لأن الكلمات تخاطب روحها وانعكاس لحياتها . تحتاج ألان إلى السيطرة عليها لأن الحياة هي ما تصنعه وما تقدمه فيها من خير ومحبة للأخرين . في النهاية ، عندما يغادر ستيفن و يلتحق بالجامعة  ، يصبح لزاما على هيلاري قبول حقيقة فقدانه والإستسلام للأمر الواقع . يقدم المخرج سام مينديز  خلال العرض البريطاني الأول لفيلم عربات النار في الإمبراطورية ، وتبلغ الاحداث ذروتها  في مواجهة مزعجة بين هيلاري وإليس والتي ستكون مثيرة للاشمئزاز بشكل لا يغتفر لولا التزام كولمان وفيرث الحازم بجعل المشهد يعرض بابدأع وإبهار .

ستيفن: الهروب من الواقع

من الواضح أن ستيفن رجل طيب القلب ويحترم هيلاري ولا يسيء معاملتها حتى بعد أن علم بمرضها العقلي  ووقع في غرامها رغم الفارق بينهما في العمر والعرق . لقد جرحت هيلاري مشاعره عدة مرات ، لكنه لا يزال يتفهم وضعها . ستيفن يحب الأفلام ونراه يتسلل إلى غرفة العرض للتعرف على ألأشرطة   السينمائية . يستخدم السينما كمهرب من الحقيقة القاسية في كل شيء بحيث يستمتع بمشاهدة الأفلام والعمل في السينما  في نفس الوقت، لكنه يعرف أيضًا ما يدور حوله . ستيفن (مايكل وارد)  مبتهج ومشرق ووسيم  . وعلى الرغم من أن الجميع يفترض أنه سيقع في حب الفتاة جانين (هانا أونسلو) ، إلا أنه إنجذب بشكل غريب إلى هيلاري خلال المحادثات العاطفية في الخراب المليء بالحمام لمقهى سابق في الطابق العلوي من السينما ، تصبح العلاقة بينهما حميمية . صدمت هيلاري من هذا الاهتمام المفاجئ ولا تصدق حظها. ستيفن روح لطيفة ومدركة وذكية. عندما أظهرته هيلاري لأول مرة المسرح ، أصر على أنها تأخذه إلى الطوابق العليا المهجورة التي تضم المزيد من الشاشات الغير المستخدمة وقاعة الرقص ، هذه – حمامة جريحة وجدت طريقها إليه، يزيل ستيفن أحد جواربه ويحولها إلى ضمادة شرنقة صغيرة ناعمة للطائر . يبدو أن هيلاري تتوافق بشكل جيد مع جميع زملائها في العمل ، لكنها تستطيع أن ترى ستيفن مختلفا. يجعلها تشعر بوحدة أقل و يصبح الاثنان صديقين ، وفي النهاية عاشقين غير محتملين: ستيفن أصغر بكثير بالإضافة إلى كونه رائعا ووسيما ويشعر بالمودة الحقيقية لهيلاري. لكن هناك بعض المشاكل التي تواجه هذا الشاب الطموح ، كلما زادت معرفة هيلاري بالشاب ستيفن  وتعمقت في العلاقة معه، زادت بصيرتها في  اكتشاف التميز العنصري القبيح الذي يعصف بالمجتمع البريطاني من خلال الاعتداءات العنصرية العرضية التي يتعرض مايكل  يوميا . في رحلة إلى الشاطئ  تغضب هيلاري من هوس ستيفن لبناء قلاع رملية أنيقة وتبدأ في الصراخ والركل. لقد تم تشخيص إصابتها بالفصام ، وتوقفت عن تناول أدويتها وهي على حافة دوامة  إنحدار مألوفة . يحاول ستيفن  معالجة مرض هيلاري ، لكن لا يوجد شيء يمكن فعله من أجلها ، ونفس الشئ ، بالنسبة لهيلاري فيما يتعلق بالعنصرية التي يواجهها. يبدو أن الغرض الوحيد من قصة ستيفن هو جعل هيلاري أفضل . في النهاية ، توقف ستيفن أيضًا عن الهرب وقرر الذهاب إلى الكلية لدراسة الهندسة المعمارية.  

نورمان: انعكاس في الحياة

نورمان( يلعب توبي جونز دور نورمان مشغل الافلام ) الشخصية التي بالكاد تظهر في الفيلم ولكنها تترك تأثيرًا كبيرًا على المشاهد. جنبا إلى جنب مع أعضاء الفريق الآخرين ، نورمان صادق مع هيلاري وستيفن. شديد الخصوصية فيما يتعلق بغرفة العرض مكان عمله ، ويطلق على صالة العرض بيته وأجهزة العرض صغاره . في وقت لاحق ، نكتشف  لديه ابنًا يبلغ من العمر 22 عامًا لا يريد رؤيته وندرك أن هذه طريقة لمواجهة ذنبه. عندما سألته هيلاري لماذا ترك زوجته وابنه ؟ ، يرد عليها إنه لا يتذكر. لقد قمع نورمان ذكرياته بسبب ذنبه . حياته مسخرة لصالة أمباير وللأفلام التي يعرضها للناس. يخبر ستيفن أن الفيلم هو وسيلة للهروب من ظلام الحياة . الأفلام عبارة عن صور ثابتة مع إطارات داكنة بينهما ، لكن لدينا خداع بصري يساعدنا على رؤية ما وراء هذا الخلل وهو رؤية الضوء فقط ،  وهم الحياة ،  “سحر الأفلام هو سحر الفن  ” .  

في الدقائق الثلاثين الأولى من هذا الفيلم ، أحببت كيف نقل مينديز العلاقة بين عمال صالة السينما وكيف كانت الصداقة الحميمة المشتركة بين الموظفين . يحاول سيناريو مينديز تقديم حجة حول صحة المرأة والعنصرية ، والاخيرة ليس مجهزا جيدا للتعامل معها. يقضي الكثير من الفيلم في محاولة لربط وحدة هيلاري وأمراضها العقلية بتجربة ستيفن كشخص أسود . هناك العديد من المشاهد التي يواجه فيها ستيفن التمييز  العنصري، وتحاول صديقته هيلاري الدافاع عنه وتفشل في ذالك ، يستخدم المخرج سام مينديز مفهوم الهروب السينمائي كإطار للتعامل مع وقت العنف بدوافع عنصرية في الدراما الرومانسية ” إمبراطورية الضوء “. في حين أن الفيلم يقوده أداء رائع من الممثلة الرئيسية أوليفيا كولمان ، والعين العالية المهارة للمصور السينمائي روجر ديكينز والذي قام بتصوير الإمبراطورية بحيث تبدو وكأنها لوحة مصقولة بجميع الألوان الغنية وأعمدة الضوء تزيد من بريقها وتوهجها ، مع هندسة معمارية مبهرة في منتصف القرن وإطلالات خلابة على المحيط الأطلسي .

 قال المخرج سام مينديز ، مخرج فيلم الجمال الامريكي وفيلم 1912 ، أن فيلمه التاسع كمخرج مستوحى من صراع والدته مع الصحة العقلية . ويتناول الفيلم قضايا مثل الرومانسية والعنصرية وكراهية النساء والصحة العقلية ، وفي نفس الوقت هو رسالة حب حقيقية إلى السينما . في “إمبراطورية الضوء ” نلمس أهمية الفن السينمائي وجماله في حياة المرء. يستكشف الكاتب والمخرج (سام مينديز)  الموضوعات المظلمة للمرض العقلي والعنصرية من خلال عدسة الفن ، وكذالك استكشاف للتوترات العرقية في بريطانيا في الثمانينيات ، فضلاً عن مشاكل الصحة العقلية الشديدة وحب السينما. في فيلم من هذا النوع ومع العديد من القضايا المختلفة ، سيكون من الطبيعي أن نفترض أن الخيوط المذكورة أعلاه تحدث عبر مجموعة شخصيات الفيلم وأن العنصر المرتبط في السرد هو السينما نفسها،  ولكن جميع القصص المختلفة التي يحاول مينديز سردها هنا يتم سردها من خلال شخصيتين فقط خلال فترة زمنية قصيرة نسبيًا ، قبل أن يتم جرنا إلى درس حول قدسية عرض الأفلام . الفيلم هو الحنين إلى العظمة للقصور القديمة  التي تتمثل في دارسينما ذات الواجهة البحرية، ربما أراد مينيدز (الذي كتب السيناريو أيضًا) في التعليق على تدنيس المؤسسات الثقافية والاقتصادية للسياسة التاتشرية، ومن أجل تسليط الضوء أيضًا على الحالة غير المستقرة للسينما وصعود الفاشية في  تلك الفترة من ثمانينيات القرن الماضي .  

في الختام : محبة  السينما وإمكاناتها من أجل الخير هي رسالة رائعة ، خاصة عندما يتم عرضها لأولئك الذين يحبون أيضا هذا الشكل الفني من التعبير. ابتكر العديد من صانعي الأفلام صورا ناجحة تتمحور حول هذا المفهوم . ولكن عندما تضيف نضالات الأشخاص المهمشين إلى تلك الحكاية ، تصبح رسالة حب السينما هامشية وتطغى عليها بحق . إن المشاعر المناهضة للعنصرية لا تلحق الضرر إلا من خلال عدم استكشافها بشكل أعمق في خدمة مفهوم أقل واقعية وأكثر بساطة بطرق  مختلفة ، مثل عرض ما يمكن أن تفعله الأفلام . لو كان الفيلم قد تعمق بشكل غني في كلا الجانبين ، لربما كان قادرا على تحقيق توازن حيث كان من الممكن أن تتزامن فكرة قوة السينما بشكل كامل وواضح مع  العنصرية وجرائم الكراهية .

 

علي المسعود

المملكة المتحدة

شاهد أيضاً

الى البقاء السرمدي

أنهكتني السنين أنهكتني الحياة من سقوط لعلو لحياةٍ لممات حتى اني بت أحلم في جميع …