“إلى أين يأخذنا ليل المدينة؟

أتساءل كثيرًا عن مُخرج هذا الفيلم وهل هو مُمتع لهذا الحد ؟ ،هل يرى العالم الإبداع  في حركة الكاميرا شمالًا وشرقًا ،هل يَحس العالمباللذة حين يعمل المصورزومعلى عمود خرسانة فوق طفل ، هل المخرج جرىء لهذا الحَد من الجنون ؟ ،هل العالم مُنبهر من أداء المُمثلين؟ ، أطفال يُؤدون أدوار كُلّها صراخ  وبُكاء ،عَجوز تصرخ من تحت سقف البيتطلعوني طلعوني،عن قلة الحيلة التي يمنحنا ياها العالم ،ما بين الموت السريع والموت البطىء ،هل العالم يرى هذه المباني النائمة على الأرض نوع من أنواع هندسة الديكور ، البنايات تُسوّى بالأرض،الأرض تتداخل ببعضها من فرط النار ،يا ترى هل العالم يرى وجوه الأطفال والردم يأكلها نوع من المكياج لهذا الفيلم الجرىء؟ ،هل الغباروالجروح التي تنزف من جنين لم يرى من الحياة سوى يوم واحد من دم نوع من أنواع الدراما؟ ،هل سيكافىء العالم المخرج والممثلين والمدينةجائزة الأوسكار ؟، لكن سمعت من أحد الأطفال المُمثلين أنو المشكلة في هذا الفيلم الجرىء أنّه طويل ، لا نرى له بودار نهاية والمُمثلينمجبورين على انتشال صورتهم أمام الكاميرات أنّهم أبطال خارقين وهم في الحقيقة لا يستطيعون تجّرع صوت الدراما في صراخ الأطفال،الفزع في وجوهم ،هلعهم وقلة حيلتهم وهم ينظرون إلى المرآة ويسألون هل هذا الفيلم يستحق هذا ؟ ،المُخرج يحبس الممثلين في زاوية ضيقةوممزوجة بشلالات الدّم ،المخرج مُصر أم تكون الطائرات في السماء غبية جدًا ، والموت عَجول يأخذ الأبرياء ويخطف الأطفال من حضنأُمهاتهم والحبيبة من حُضن حبيبها ،الحقيقة من السراب، يخطف الشجرة من جذِرها ، هذا الفيلم عبثي يضرب كل شئ لا يفرق الأحلام و لايضع أولوية لها ، يُريد الضحايا أن يسألو كيف سيَختارون الموت ؟ ، هل تكون الضحية وحيدة أم سعيدة أم ممتلة بالنجوم ؟

تُريد  الضحية  أن يُخبرها الموت قبل بثوانٍ لتُرتب خِصال شعرها جيداً و لتعد النجوم لِأخر مرة

تُريد من هذا الموت أن ينتظر قليلاً هُناك تحت الرمال رأس ٌ لي  و في السماء يدي .

تُريد أن تموت بيدان و رأس واحد و أحُلام كُثر

هذا الموت جائع يحمل عائلة بأكملها و يترك الهش منها  ليأكل حسرتهم طوال حياته، ليراهم في أعمدة البيت المُهدم و على الورد في النوافذ

هذا الموت لونه أحمر ، سماؤه سوداء ، متجذر في الأرض  ،يختبأ جيداً في دمِ يتربص جيداً لي يآكل خوفي و  ينتظر أصبعي يهرب منيليفر منه الموت سريعاً

لا أريد أُصبعي أن يطير و يتركني و لا أُريد أن أكون أشلاء، لن أملئ الكون بعبثية أصابعي

هل تعلم أيها المُخرج إنني امتلك إحدى عشر أصبع بلا عُقلة ؟

حين تريد إصابتي أستبدله سريعاً ،أيها الموت أنا لا أريدك ،لماذا أخدت ألوان صديقي ؟ ،و لماذا تركت الأُم تبكي ؟ ،و لماذا تركت الحب وحيداً؟

و أُيها الموت هل تنتظرنا لأجلب معي ألوان أصدقاءنا، و باقي أحلامهم، و الأُم لرضيعها ؟

هل تنتظرنا يا موت لتجلب الضحية الآخرى معنا و تعد أصابعها ؟،انتظرني قليلا ً  ،انتظرني قليلاً أيها الموت ، لألملم حزن مدينتي و صراخالأطفال تحت الركام ، لأجدل شعر الأطفال لاستقبال موتهم

لأحمل ذكرياتي من بيتي المهدم

أيها الموت ، أعلم جوعك للحياة لذلك تقتل احلامنا المليئة بالحياة ، لن اسمح لك بالاختباء في جلودنا و لن اسمح لك ان تتلون لنا ، ان لم نمتمن قصف لن اسمح لك للتشكل في الخوف ، و تحت ركام منزلي ، و بين أمراض الأطفال في الخيام ،أيها الموت انتظر قليلاً، تعرف الضحيةأنّ موتها هو حياة الموت ،تعرف أنّ لا عمل لك مع المخرج سوى أنّك خادم القدر ،تعرف الضحية أنّك تُشاهد دوار البحر وطوفان البحر عنكثبٍ، لم لا يُغريك الوجودين يا موت في هذا الفيلم ؟، انتظر الضحايا حتى تنهي تدابير الجنازة في الشتاء الهَش ،كتب أحد ضحايا هذاالفيلم :امشوا صامتين على قبري ولا تضعوا على قبري الورد ،فالورد يُذّكر الموتى بموت الموت قبل  الآوان .

مُنذ عرف المخرج هذه المدينة أَدمن على الغيوم السواء ،مُنذ عرفها أدمنت لُغته هشاشة على الأرض ،لم يَعُد يهيىء للموتى النبيذ الأحمر ولميزّف الشعراء بكتابة قصائِدهم المَنسية ،لم يُوزع حبّات القمح والسُمسم على الأطفال العائدين الموت، فالأطفال هُناك لا هُم أحياء ولا موتىيخشون العُلّو والنزول ،أنبياء على الفطرة ويُحلقون بأجنحتهم في سماء تقتلهم ببشاعة ،يدنو الأطفال قريبًا من قبورهم ويبكون بصمت ،فيالصباح يأخذوا معهم الورد البنفسجي ويرشونه على قُبور أُمهاتهم ويعاندون خادم الغيب ،تُخبّىء الضحية الموت في آخر خثرة  من دمويعدون  أعضائهم جيدًا في الصباح الباكر ،رأسٌ واحدة ، يدان ، عينان و قلب واحد لحتى الأن لم تفقد سوى عَقلها ، اليوم  كان هو اليوم  الأول من الارتفاع المباشر إلى السماء كما وصفه المُخرج حين تموت الضحية لن يعلم عنها جارها و لا حتى أخيها البعيد ، أشعر الأنبقلبهها  كأنها على موقد أرى شرنجته أمام شاشة الأخبار و لكن هل يعلم أولائك الّذين يمتحنونا بالموت أننا ما زلنا نؤدي أدوارنا في هذاالفيلم ؟ .

في الحقيقة غزّة ليست سوى مدينة فقيرة وهشّة ،أُناسها مُشوهين وبحرها غاضب من الدّم ،هُم يُريدونها حرباء تُغير لونها كما يشاء المُخرجوالقدر ،يريدونها حرباء كي تُناسب لذّة التوحش الدموي في داخلهم ،تُناسب إعلامهم وأفلامهم التي لا تَقوم سوى على شلالات الأطفال فيغزّة ،يتعاملون معها ليس إلّا كونها جُندي في معاركهم وحطب مُبلل بالماء ، مدينة لا يُمكنك القول عنها سوى أنّهاخرابة، ويحاولون خلقاسطورة من هذه الخرابة ،حتّى لو على حساب مخاض أحلام الأطفال والنساء الجميلات في المدينة ،كأن التاريخ والزمن هاجروا عن غزة معالحمام ،هي واقفة على قارعة الطريق لا تحميها الأرض من التلاشي ولا المُخرج من العجز البطىء ،كُل طفل هُناك متربص بحشرجة حُلّمهالمَنسي ،هي بعيدة عن الحقيقة والحاضر ، لا يُمكنّها الزمان من أن تبني عُشها على أشجار اللوز العتيقة ،تقف على تلال بحرها وتسأل : هل كانت غزة في يومٍ سعيدة دون أن نَدري؟  ، على رمال غزة نمشي على غير هُدىً لا نبحث عن أنفسنا في كُلً هذه العتمة ولا عنالساهرين ،هي طفلة صغيرة ليست بقاهرة البُرهان والموت ،تُدواي جراح غضبها ببحرٍ خفيف ضائع .

لم أرى يومًا من خلق غزة لأسئله :في أي عام قتلت غزة أنت ؟ ، وكيف خلقت منها اسطّرة الخرابة بهذا الشكل من اللاشىء ،في كُل مرةأبحث عن خالق غزة أرى قريبا على تلال البحر حرب قريبة وجُنود يكرعون من خمرة دمائنا ، يُخيّل لك أن خُطاك على تلال بحرها هي التيستقودك إلى الحقيقة وتكرار صدى أغنية عاطفية أُنشدت على جبال لبنان ستمنحك الحرية ، لكن كُنت على حق  في أنّه لم يَكن المُخرج بريئاولا هو سيد الكلمات ولا المكان ولا الزمان في حديقة العشب التي تتداخل في الدم ، الدم لا شىء سواه.

ما الجدوى من  تسلّق أحلام الضحايا ؟، سؤال بسيط … “كشكة دبوس في صدري

شاهد أيضاً

بعد آخر

وسط مياه الحقيقة، هناك، .. بعيدا.. أقف على جرف وعيي، أرى سطح ذاتي، و أديم …