بيت في غزة

        #بيت في غزة ….!!
      *******************
بقلم : عبد السلام العابد / فلسطين

    قال لزوجته، بعيْد الانتهاء من طعام الغداء : سلمت يداك، يا أم محمد ، أكلتُ المقلوبة بشهية، وها هم أطفالنا يأكلونها مستمتعين .
قالت: سلمت ، وأسأل  الله دوام هذه النعمة.
: هل تذكرين تلك الأيام التي كنا فيها منهمكين في بناء هذه الشقة الصغيرة المتواضعة؟ .
 
أجابت : نعم أذكر ،  كم تعبنا،  ونحن نبني الغرف، ونمد أنابيب المياه، وأسلاك الكهرباء ، ونقوم بعمليات القصارة ،  والتبليط والدهان والتأثيث..!!. شابت رؤوسنا، قبل أن نتمكن من السكن فيها ، ومرت شهور طويلة ، قبل أن نسدد ديوننا والتزاماتنا المالية .
  قال: ولكننا، كنا وسنبقى يدا واحدة ، واستطعنا الانتهاء من هذه الالتزامات قبل سنتين . ورزقنا الله بنتا وثلاثة أولاد ، هم أحبائي الذين لا تحلو لي الحياة دون وجودهم معنا . 
  وطافت في خيالها غيمة قلق، وهمست : قلبي مقبوض ، لا سيما وأن الاعتداءات الاحتلالية بدأت منذ اليوم  تتوالى في بلادنا ، وها هي الطائرات المعادية  تحوم في سماء قطاع غزة ، ولن تمر ساعات، حتى تتوسع  هذه الغربان الحديدية السوداء بعمليات  الخسف والقصف، وتدمير البيوت على سكانها .
   وبعيد قيلولة المساء، أفاق الزوجان، وراحا يرتشفان  فنجانين من القهوة، وهما يتحادثان، ويستعرضان ذكرياتهما  التي مرت سريعة.
  وفجأة، ظهرت في الفضاء ، من جهة البحر الغربان الحديدية السوداء ، وبدأت تطلق صواريخها الكريهة المدمرة .
قال غاضبا: لم يكتف الغزاة بتشريدنا، من قرانا ومدننا، وها هم يلاحقوننا هنا…!!.علينا أن نبحث عن أطفالنا الذين يلعبون مع أصدقائهم في الحارة .
   دخل محمد البيت ، وهو يحتضن أخته الصغيرة أميرة ذات الشعر الأسود الناعم ، وإلى جانبه أخواه  إسماعيل وأدهم . أغلق أبو محمد باب شقته، واستعد لاستقبال ليلة سوداء مليئة بالترقب والقلق والخوف على زوجته وأطفاله.  في طفولته المبكرة، كان يشعر بالأمن والأمان عندما يغلق والده باب البيت ، أما الآن ، فإنه يدرك أنه وأسرته وجيرانه ليسوا في مأمن.
  أقبل الليل ، وبدأت الانفجارات تتوالى وتهز البيت . تعطلت الكهرباء ، أضاء مصباحا يدويا ..يا لها من ليلة سوداء ، يملؤها ضجيج المدافع ، وأصوات الانفجارات المدوية ، وانهيار المباني والبيوت!! .
سأل  أبو محمد : ماذا نفعل بالأطفال الذين بدأوا يبكون  ويصرخون ؟!. قالت: علينا أن ننام في غرفتنا معا. 
فرشت على أرض الغرفة ، وجلس الوالدان ،وهما يحتضنان أميرة،  و إسماعيل،ومحمد وأدهم .
  الظلام يتكاثف،  و القنابل تنفجر،  والطائرات تهدر في الفضاء ، وتطلق صواريخها . البيت يهتز، الصراخ يعلو ، الجدران تتهاوى، الحجارة تتساقط على الرؤوس و الأجساد ، يحتضن الوالدان أطفالهما، يلتصقون معا. قالا وهما يتشاهدان جملتهما الأخيرة : نعيش في أرضنا  معا أو نموت معا ….!
_____________________
 

شاهد أيضاً

بعد آخر

وسط مياه الحقيقة، هناك، .. بعيدا.. أقف على جرف وعيي، أرى سطح ذاتي، و أديم …