في خضم ما شهده ويشهده عالمنا العربي بالأمس واليوم من تغيرات جذرية كبيرة ، وتطور متسارع في شتى مناحي الحياة في ظل عصر العولمة ، والذي تمثلت ابرز مظاهره في الثورة المعلوماتية الكبرى ، وما هيأته من حراك ثقافي وادبي ضخم وغير مسبوق كماً ونوعاً في المجتمعات العربية ، وهو الأمر الذي رافقه ووازاه-تقريباً-ظهور وإقامة عدد كبير ومتنوع من المسابقات الأدبية والتظاهرات الإحتفالية والمهرجانات التكريمية على ارض الواقع في العديد من الأقطار العربية..وكذلك على العالم الإفتراضي بمواقع التواصل التي شاركت وساهمت بإشكال عدة في القيام بدور كبير وبارز في إثراء ذلك الحراك وفي التحفيز والتشجيع والتكريم للإدباء والمبدعين- معترف به-في كل المجالات ، لكن..لطالما كنا نسمع او نقرأ هنا أو هناك عن عيوب كبيرة شابت تلك الفعاليات فأخرجتها عن أهدافها وغاياتها الأساسية المعلنة ، وتصريح من البعض-ممن شاركوا فيها-بعدم جدواها ونفعها لهم ، والبعض الآخر منهم وجدناه يشكو من عدم الإنصاف وعدم نيله منها ما كان يستحق ، وهو الأمر الذي جعل الكثير من الأدباء والمبدعين يعزفون عن الإنخراط في مثل تلك الفعاليات والمشاركة فيها ، رغم ما يعلمونه من انها كانت تمثل لهم فرصاً ذهبية كبرى تدفع بهم نحو المزيد من الظهور والإنتشار والنجاح ، لذلك وقع اختيارنا- نحن في أسرة تحرير مجلة أقلام عربية- على هذه القضية واردنا ان تكون موضوع تناول استطلاعنا لهذا العدد ، كونها تلامس صلب اهتماماتنا الأدبية والفنية الثقافية واهتمامات متابعينا وقرائنا الكرام ، فقمنا بإستضافة نخبة موقرة من الأدباء والمثقفين من اقطار عربية عدة ، البعض منهم كانوا ممن خاضوا تجربة المشاركة في بعض تلك المنافسات والفعاليات ، أو ممن تلقوا وحصلوا على التكريم ، طارحين عليهم السؤال التالي : ” ما مدى استفادة المبدع العربي من المشاركة في المنافسات الأدبية والفنية ، ومن حصوله من خلالها ومن خلال التظاهرات الإحتفالية والتكريمية الأخرى على فرص الظهور والإعتراف والتقدير والتكريم ، وهل وجد منها حقاً ما يستحقه من الإنصاف الذي يجعله يرتقي بإبداعه ويصل إلى مبتغاه ؟! ”
فجاءت إجابات كلٍ منهم-مشكورين- إما متقاربة حيناً أو متباينة حيناً آخر ، مستقاة من واقع ما لمسوه وخبروه في الساحة ، أو من واقع ما خاضوه من تجارب سابقة ، حيث ابتدأ مشوار تواصل استطلاعنا من الجزائر مع الشاعرة والكاتبة القديرة :
أ. نادية العياطي
والتي ردت مستفيضة بقولها : ” إن شرعنا في تناول هذا الموضوع بصفة شاملة على المستوى الدولي العربي-أي على الصعيد العام- فإن خوض المبدع العربي في معترك الحراك الثقافي-إن صحًت التسمية الحالية-في الساحة الثقافية والأدبية العربية وتم له أمر المشاركة في المنافسات والفعاليات ؛ فدون جزم أو نكران سيستفيد حتماً من خلال مشاركته..سواء في الجانب الثقافي كمبدع أوكمنتج لاعماله ، التي سوف تنتقل بذلك من دائرة ضيقة أو مقنًنة إلى دائرة أوسع وأعم واشمل ، ناهيك عن منافع ثمرة اللقاءات الادبية والتبادل الفكري الثقافي المتنوع ، ورصد المزيد من المعرفة والإدراك التي سوف يجنيها نتيجة هذا التفاعل والاحتكاك والتلاحم الأدبي مع مختلف الاجناس والأذواق والميول ، بالإضافة إلى نوعية الأطروحات والمناقشات للمواضيع الإنسانية والعلمية المحضة ، التي تضيف للمبدع وعياً أكبر وإطلالة على ثقافات أوسع تخدم الخاص والعام ، على ان تكون وفق الاحداث الراهنة-معالجة-وسامية في اهدافها تبعاً لجوهر وقيمة المهرجان في حد ذاته أو المسابقات ، حينما تعلوها النزاهة والشفافية وتسمو عن المحسوبية وسياسات الاقصاء حسب شروط تعجيزية مثل ما يلاحظ في العديد من إعلانات المسابقات ، ولا ننكر النفع المادي الذي يستفيد منه المشارك كمثقف وسائح على شكل مستحقات تضاف عند الكثيرين لحجاتهم ، أو جوائز تحفيزية تخدم المبدع في جانبه الإجتماعي والثقافي دون شك ، لتجعله يواكب عصره وفق متطلباته ، خاصة ان تولت ذلك الجهة المستدعية له كمتسابق أو كمشارك ، ووفق عبرها أو عبر غيرها في طبع اعماله ونشرها في وطنه أو في المعارض الدولية العربية ، فهي بكل ذلك تكون مبادرة محفزة ومدعمة لا ينكرها اي أحد ممن استفاد منها..خاصة الشباب..مقارنة بنا نحن كجيل سابق لم يكن في متناولنا الحصول على كل هذه الامتيازات والتسهيلات والتحفيزات ، وبالتالي هي تدفع المبدع لمزيد من الإضافات في الحقل الثقافي ، أما إذا رجعنا إلى عقر دارنا.. فأي مبدع كان وأينما كان-منطلقاً من منطقته الخاصة الصغيرة ودوائره المحيطة به-إن تسلح بسخاء موهبته كإبداع وهبة ربانية ، وأحسن حملها وتوظيفها في السبيل السويّ ، وباجتهاد وإرادة صلبة نحو المضي قدماً ، مُقبلاً غير مُدبر ، مُتوَكلاً غير متكِّلٍ على الغير..بجديته الخاصة ؛ سيخرج كمبدع جاد من نطاقه الضيّق وستتسع رقعته بفضل ما فكر..وما خط..وما سطر..وما رسم..وما قال..وما فعل..وقف موفقا عليه ، وحتى لا أخرج عن صلب الموضوع فالإبداع في حدِّ ذاته : ( هبة خَالق لمخلوق) عليه الإعتناء بما خصّه الله به بالإجتهاد وروح الإقدام وعدم التراجع ، أو الإستسلام لظروف الإقصاء أو التهميش أو التعطيل أو المحسوبية ، لانّ الجمال والإبداع ممتدٌ سبيلُه وآفاقه بعيدة بعد الشفق في الأفق ؛ لكنه برؤيانا المتفائلة والحية نبصره قريبا منا-آفاق تلحق صاحبها- للمبتغى ان لزم المعنى العميق للإبداع ، عموماً..حتى نكون أكثر وضوحاً وصادقين مع أنفسنا كمبدعين مواكبة مع جلّ الاحداث الراهنة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا دوليا وعربيا ، فإن المبدع منا لن يجد طبق تمر جاهزاً ومهيئاً له على مائدة الحواريين..إلا إذا أدرك مسلك البيداء الوعر ولحق ببستان النخيل ، وأحسن التسلق لتلك النخلة الشماء ، وأدرك القطف حتى ينال الرطب الجنيّ من طيّبات الرزق ، وإنِ انتظر دعم المديريات والوزارات-المعنية بالأمر- فسيكبر ويطول الإنتظار وتبلى الاعمال ، وبالكاد تُحتضر وتنعى لأقدميتها..إذا لم تلحق بركب التطور التكنولوجي الراهن الذي اختزل العديد من الصعوبات والمشاكل التي كانت عالقة لسنين ، فالمسابقات والمهرجانات جلّها باتت الآن يخدمها ويقدمها التطور التكنولوجي على شتى المواقع الإلكترونية التي صار لها السبق والفضل في تيسير وتسهيل عملية خدمة المبدع لذاته.. حتى في الجانب الترويحي والخدمي أيضاً ، إن هذا الحراكالأدبي والثقافي المستمر هو عكاظ العرب الذي بدأ ظهوره منذ أكثر من 15 قرناً ”
ثم اتجهنا بالتساؤل إلى الأديب والشاعر اليمني الكبير والغني عن التعريف :
د . عبد الكريم العفيري
فأجابنا بإقتضابٍ جميلٍ ولماح قائلاً : ” إن المسابقات الأدبية والمهرجانات الثقافية لا ترقى إلى طموح المبدع وتطلعاته..وليس العيب في من يقيم مثل هذه الفعاليات..بل في الوعي المجتمعي العربي الذي يعتبر الأدب جزء من الكماليات ، وهذا الوعي كرسته لدى المجتمع مؤسسات الدولة التي تنظر للمبدع من زاوية الولاء للتوجه الحكومي ، هذه الفعاليات لم ولن تنصف المبدع ما لم تكون هناك خطوة جادة للحكومات العربية والجهات المعنية بالأمر فيها لدعمها”
وما زلنا في اليمن السعيد حيث كان لنا وقفة تساؤل أخرى حول الموضوع مع عملاق الفكر الإسلامي البروفيسور :
د . فؤاد البنا
الذي تفضل بالإجابة قائلاً : ” المهرجانات والمسابقات الثقافية هي ثمرة المؤسسات الثقافية ، وهي جزر صغيرة..وسط محيط من الجهل المتلاطم والأمية الثقافية والمادية الطاغية ، ومن ثَمَّ فإنها لا تكفي لأداء المهمات المنوطة بها ، وبجانب ذلك فإن بعض هذه المؤسسات تحمل آفات وعلل المجتمع الذي تنتمي إليه وتنحدر منه ، ومنها المحسوبية والشللية وسائر العصبيات الفئوية والجهوية والحزبية ، وفي هذا الجو قد تسلط الأضواء على نكرات وأقزام ، بينما يتم تجاهل عمالقة يمتلكون مقومات العبقرية!”
ثم اتجهنا بعد ذلك إلى بلاد الرافدين وسألنا الصحفية والشاعرة والكاتبة القديرة :
أ . باسمة الشوك
فأجابت بقولها : ” المبدع ُ العربي يستفيد من اللقاءات والمهرجانات الثقافية ، ويفيد غيره من خلال تجاربه وخبراته التي اكتسبها في حياته الأدبية ، أما المسابقات فهي تساعد على اتقاد جذوة الإبداع عنده ، وتحريك دماء التنافس والعطاء بين المشاركين خاصة الشباب ، والمتابع للثقافة في وطننا العربي..يجد أن مبدعينا لم يُعطوا استحقاقهم المشروع في نشر أدبهم والإعلام لهم ، لكن الأمر الذي يثلج الصدور ويسعد القلوب أن المشاركات والحوارات التي تتم على صفحات المجموعات الأدبية تقرٓب ما تباعد من أفكار لأدبائنا وشعرائنا ، ومن خلال متابعتي لمسيرة المهرجانات التي تقام..أرى أنها حققت نتائج إيجابية ، وأحدثت تعارف بين أدباء أمتنا وتداول لأمورها القومية ؛ لأن الأديب هو واقع حالها والقريب من مجتمعاتها ، ولنا أمل كبير في دعم اكبر للمبدعين كافة..الجدد منهم أوالقدامى على حدٍ سواء”
ثم عرجنا في طريق العودة على الأردن لنلتقي بالشاعرة الشابة :
رسل راكان الزعبي
التي جاء ردها مختصراً على النحو التالي : ” مشكلة أغلب هذه المسابقات-برأيي-أن من يرأسها ليس مبدعاً ، ولذلك هي لا تنصف المبدعين! بل يغلب عليها ما يمكن أن أسميه (العنصرية) ، وهي غالباً ما تكون مقيدة بسياسة الدولة المنظمة ، والإبداع لا يمكنه أن يظهر في وجود القيود مهما كان نوعها أو لونها ومهما حاولوا تزيينها أو إخفاءها ”
بعد ذلك انطلقنا نحو تونس الخضراء لنشتم من زهور بساتينها عبق وردة فواحة فوجدنا الشاعر الكبير والقاص :
محمد علي الهاني
الذي نفحنا بأريج إجابة عاطرة ومختصرة قائلاً : ” قلبت الأمر على وجوهه..فلم أجد ما يسرّ القلب ، ولم أعثر سوى على بعض الإيجابيات القليلة التي تسلّط الضوء على المواهب الأدبية الشابة وتشجّعهم ، وتفسح المجال أمام كتاباتهم ليجدوا مكانتهم في المشهد الثقافي المعاصر ، أما السلبيات فحدّث ولا حرج..لذلك أكتفي بهذا القول”
وأخيراً حطت بنا رحلة هذا الإستطلاع المتواضع في بلد المليون شاعر-موريتانيا- مع شاعرها القدير المتميز :
أبو حواء شيخنا عمر
الذي تفضل بالإجابة قائلاً : ” انطلاقا من تجربتي في مسابقة(أمير الشعراء)..أرى أن بقعة الضوء التي يخطفها المبدع العربي من أي مسابقة أو مهرجان..تمنحه فرصة يطل من خلالها كوكباً في سماء الإبداع ، وهذه الفرصة لن يجدها مادام في الظل ، بعيداً عن الأضواء..أما بخصوص الإنصاف ، فهو أمر نسبي في مثل هذه المناسبات..خصوصاً المسابقات الشعرية التي تعتمد معايير قد لا تنصف المبدع في كل مراحلها ، لكن-على العموم-يبقى المبدع العربي بحاجة ماسة إلى أن يخرج من (كوخ المدينة) إلى (شارع إلعالمية) ..وهذا ما تمنحه له المشاركة في المسابقات والمهرجانات..”