شاهُ القمرِ لا يكترثُ للوحيدين في الليل، بقعةُ الضوءِ ترى الهوى بين الشفاه فقط .
في الحلمِ كنتُ أتوهُ وأجدُ نفسيَّ جيداً، أتعلمُ وأقاتل، أرنو إلى الشمسِ لا أحني رأسي، اليومَ حتى في حُلمي لا أجدُ باباً على مصراعيهِ يحضن مأساتي ويدخلني .
الآنَّ ومنذُ خمسينَ عاماً، كلّنا بلا إستثناء نصلُ إلى هذا التقاطعِ المميت، نتوازى مع طرقهِ الكثيرة الممزقة، شائكةٌ هي عينا السماء الضبابية، تصبُّ جمامَ غضبها وتعمي الجميع .
فكففيني يا دنيا حيثُ لا نورَ يدخلُ قرنية أعيننا، حتى أبكي بلا أمل أمام الزحامِ الراسبِ في تلافيفِ دماغي المترنح كالمنتشي .
في حين أنَّ الموتَ يتربصُ مسيرتي الموحلة، هل من نبيٍّ ينيرُ سلّمَ الجنة لي، ويكحلني بقليلٍ من الحِنَّة على جفنتيّ المتغضنتين ؟
الجواب : سرْ وحدكَ ما استطعت، إنَّ للهِ سبلاً أخرى لك .
ولا أقنطُ من رَوحِ الله في هواجسِ الليلِ الموحش، لكني أقسم بكَ، أنيَّ حيٌّ اليومَ وميتٌ اليومَ .
كان جواب عقلي منطقياً وردُّ قلبيَّ لا ينكرُ فضلهُ، سبحان من جعل العقلَ والقلبَ ملكان يتجذبان أطراف الحديث سوياً .
أطلالُ مدينتي، أصنافُ الطيورِ المهمَّشة، سحابةٌ تقبِّلُ الأخرى، يأسٌ يحلِّقُ في الأفق وأمواجُ البحرِ الخفيفة تنقلُ صوتَ الحنينِ إلى أذنيَّ السميكتين .
أذكرُ جيداً شاه القمر الذي حكم على نفسهِ بالفناء، حيثُ الملوك كلهم هباء كان هو أسطورةً من القدر، كان يأمرُ الليلَ أن يحنَّ على من ربطَ في قلبهِ الهوى وعلى من كان في حبِّ القمر .
عاد وانكسر، خانهُ الوطن السقيم فاعتبر، لم يعد الليل ينظرُ بأوامرهِ ولا العشاق باتوا ينتظرونَ الدفء من العبث .
الفرقُ بيني وبينَ شاه القمر، أنّني اليومَ لستُ عاشقاً للبشر، الخيانةُ ممن تحبُّ أصعبُ من فقدان البصر، لستُ أيضاً مرابطاً لأيّ حُلمٍ أو هدف .
كلُّ ما في الأمرِ أنّني عاشقٌ للحرية لدرجةِ المنيّة، وكما قلتُ سابقاً : ” من أُجهضَ من رحمِ الهراوة حرّاً، له الحقُّ أن يكملَ الأنبلاج في رحمِ عاهرةٍ لو أراد ذلك. ”