من يعيد لنا مجد مصطفى محمود؟

في فرنسا يُعتبر ظهور أحد المفكرين البارزين على القنوات التلفزيونية المحلية ظاهرة اعتيادية وممارسة يومية

هذه القنوات تعمل بكل جهد على رفع مستوى الثقافة والوعي لدى المجتمع الفرنسي ، فلا يمكن أن يمر أسبوع واحد دون أن يظهر على شاشة التلفزيون أحد كبار فلاسفة فرنسا ممن لا يزالون على قيد الحياة

لكن، في أوطاننا العربية يُعتبر ظهور المفكرين والفلاسفة على الشاشة ، حدثا نادراً جداً ، بل يكاد يكون منعدماً. الأدهى والأمرّ من هذا الغياب أو التغييب أن ثمة اعتقادا شائعا وسط عموم الإعلاميين ومعظم الساسة والسياسيين بأنّ التلفزيون ليس المكان المناسب لإبراز الفكر وإظهار الثقافة وإعمال العقل بل التلفزيون مكان الهرج والمرج والضجيج والتهريج، وبؤرة أساسية لصناعة التفاهة.

هناك إقصاء وتغيب واضح للبرامج الثقافيه والفكريه

على الساحه الاعلاميه ويقابلها في الجانب الأخر ظهور مفرط للتفاهة والمحتوى الهابط والسخيف

أتذكر الأستاذ علي الهويريني رحمة الله عليه عندما سؤل عن الأعمال الفنية المسرحية والدرامية على القنوات التلفزيونية

قال مافحواه ( أن الإعلام العربي لا يخاطب الرجال ولا يخاطب عقول وفكر الرجال وإنما يخاطب النساء وان هذه أعمال صابونيه تشاهدها المرأة الأمريكية وقت الظهيره ولا تستحق أن تعرض

أعمال رومانسية تدار على حافة الكنبة والسرير..)

وهذا ما نشاهده اليوم أعمال رديئة ابتداءً من البرامج وانتهاءً با لمسلسلات والأفلام والمسرحيات وحتى الأغاني

لقد توقفت بنا عجلة الثقافة والفكر في آخر حلقة من حلقات الدكتور مصطفى محمود

أعتقد أنه لا يوجد أحد لا يعرف الدكتور مصطفى محمود ولا يوجد كاتب ولا مفكر ولا أديب لم يستمع لحلقات الدكتور مصطفى محمود على القنوات التلفزيونية او قنوات اليوتيوب

  هذا البرنامج الذي يستحق أن تشاهده وتتابع حلقاته

 لأنها جديرة بالمتابعة والمشاهده والبحث في أي زمان وأي مكان وهي صالحة لكل الأجيال

 لا ننسى الكاتب والإعلامي عارف حجاوي فقد قدم لنا سلسلة من الحلقات المثقلة بالمعرفة والعلم والفائدة

أيضاً الكاتب أيمن العتوم يبذل جهود يشكر عليها في تنمية الوعي وشحذ الهمم من خلال صفحاته ومواقعه

لكن هذا لا يكفي وإصدار الكتب بالالاف لا يكفي ايضاً

فنحن أمام إعصار من الثقافات الهشة وموجة هائله من الغباء الثقافي الذي تبثه مواقع التواصل الاجتماعي عبر صناع محتوى لا يحملون مثقال ذرة من ثقافة

 مجرد عقول استعراضيه شكلية تحتل منصات التواصل الاجتماعي وتستحوذ على اهتمام الكثيرين من المغرمين بالتفاهة وقلة الوعي

 إن الشاب العربي اليوم يستنجد ضمائر الأدباء والكتاب والمثقفين وأرباب القلم أن يأخذوا بيده من هذا الوحل وهذا المستنقع

صارخاً بأعلى صوته لا تدعوا هؤلاء التافهون يتكاثرون فقد أصبحوا قدوة للأجيال المقبلة

انتشار «ثقافة السخافة و التفاهة» يؤدي إلى إفساد منظومة القيم في المجتمعات، وإفراز أنواع من الفساد أخطر مما عرفته المجتمعات في عصور سابقة

فنرى مجتمع بلا أخلاق ولا مبادئ

نرى تشويه للذوق الفني والأدبي وتدمير للفن الحقيقي وتغير جذري لمعنى الإبداع

ونرى انعكاس ذلك على الأطفال والشباب

حيث يصبح كل شيء في حياة الطفل عادي و طبيعي ومقبول

في النهاية إن التحرر من سيطرة التفاهة مسؤولية الجميع إذا ما أرادوا إنقاذ الإنسان الأخير. فالمسؤولية عن إنقاذ الذات هي في النهاية مسؤولية عن إنقاذ الكل فعندما نقول إن الإنسان مسؤول عن نفسه لا نعني أن الإنسان مسؤول عن وجوده الفردي فحسب بل هو بالحقيقة مسؤول عن جميع الناس وكل البشر كما يقول سارتر.

 نحن بحاجة إلى ثورة شاملة على هذا النظام التافه الذي يقودنا إلى الانحطاط الأخلاقي والنفسي والمادي والاجتماعي.

شاهد أيضاً

شعر الوداد وشعر الغزل

شعر الوداد وشعر الغزل الطبيب نوري سراج الوائلي نيويورك   الشعرُ قلبُ اللغةِ، تقوده ويقودها، …