عبقٌ من الذكرى:
……………………
فراشاتٌ عبر اللهب، وحبّات (الدوم) تغزو رؤوس المارة، تحدّق وجوههم للأعلى، تستنطق أفواههم من أين تأتي تلك الضربات التي على رؤوسهم؟ وأنا أشاهدها، أراها آيلة للسقوط فوق إحدى قشور الموز التي يرمي بها أحد المشاة، يلقي جم غضبه ولعناته حنقا على الفاعل، تنتابني موجة ضحك.
أنفذ مع لهاثي شوقاً إلى بيتنا القديم في صنعاء القديمة (حي الزمر) تحديداً، بشغف أتتبع رائحته، أعرج بي لسقف ذلك الشباك، لا زالت آثار ارتطام رأسي عليه توقظني، كمفتاح سر يُذكرني مشاكساتي من خلفه.. كل شيء جديد يأتي به أبي كنت أرميه للشارع ظنا مني أنها هدايا.. للجميع.. صوت أبي كان كان كافيا أن لا أسمع بعد ذلك اليوم.. لكن لم يكن ببالي سوى عمل المقالب ولا أكترث لأني كنت مستمتعة، مورس علي المنع، وأغيب نصف يوم.. ثم أعود، كان ذلك الشباك بمثابة البيت الحق.
عبقُ تلك الرائحة لا شبيه لها، ودرج البيت الضيقة لا تتسع إلا لاثنين، ما يجعلني أستغرب وجود تلك البئر التي تحت إحدى الدرج، التي كانت سبباً في جعل أخي صامتاً للآن، أذكر أن والدتي كانت تسيطر عليها معتقدات ، من ضمنها أنها رمت (سرة أخي ) للبئر عند الولادة؛ بحجة أن يبقى سره في البئر، والآااان تولول يا ليتني ما رجمت سرتك للبئر! ويظل السؤال هل يتطابق فعلا عملها مع سبب صمته الآن؟.
فحظ أبي كان عليه أن يقتات من الفراغ الآتي هزائم ضحلة، على أن يتم التغيير ، إلّا أن مجمتعا مأزوماً كان سببا في انتقالنا منه، لذا آراني أتسلل إليّ ، أحيانا، في هذا الخراب، وفي هذا الجفاف، أخترق مسافة قصيرة للهروب إليه ، لأني فعلا أشتاق لزحمة الناس، ولأهلها الطيبين.
……………………
#أميرة_علي