في لُجةِ التيه
غريقانِ غطَّتنا الهمومُ بموجةٍ،
وأردفت الآلامُ موجاً يُلاطمُ
غريقانِ فِي بحرٍ من التيهِ ههُنا،
وأسماكُ قرشِ الشؤمِ نهشاً تَزاحمُ!
غريقانِ تجذبنا المياهُ وحولنا،
تعلقَ طوقٌ من حديدٍ ملازمُ
غريقانِ في هذا الظلامِ كأنَّما
تلبَّستِ الظلماتُ زِيَّاً يُلائمُ
كأنَّ الليالي طُبِّقتْ فوقَ ليلِنا
فليست وربِّي ليلةً بلْ توائمُ
وكلُّ شِتاءاتِ الزمانِ تَجمَّعتْ؛
لِتحضُرَ حفلاً نحنُ فيهِ الولائمُ
تُدَوِّيْ حوالينا الرعودُ؛ تُصِمُّنَا…
فينزعجُ الإعصار؛ يصحُو يُداهمُ
تُقلِّبُنَا الأمواجُ قهراً وما لنا
على قوةِ الموجِ العتِيَّةِ داعِمُ
وتَبلعُنَا الحِيتانُ ثُمَّ تَمُجُّنَا،
فلم يسْتَسِغنَا بالمرارةِ طاعِمُ
ونسْقُطُ نحو الماءِ في كل مَجَّةٍ؛
فيَشْتَدُّ بَأْسُ الماءِ حِينَ نُصادِمُ
غريقانِ لمْ نركنْ إِلَى اليأسِ ساعةً…
وكُلُّ صُرُوفِ الدهرِ تأتِي تُهاجِمُ
فمَعْ كلِّ هذا الضيقِ نحملُ جذوةً
من الأملِ المدفُونِ والقلبُ حالِمُ
بأنْ سوفَ يأتي زورقُ الحظِّ نحوَنَا
لِذا لن ترانا غيرَ غَرْقَى نُقاوِمُ
لِأنَّ اللَّيالِي سوفَ يُطْوَى كتابُهَا
سَتنقشِعُ الظُّلْماتُ فالنورُ قَادِمُ
غَدَاً سَوْفَ نَغْدُوْ كَيْ نُرَمِّمَ مَجْدَنَا
غَدَاً سَوْفَ تَنْمُوْ فِي الجَنَاحِ القَوَادِمُ
تُنادِي بنا العلياءُ إني أمامَكُمْ:
فخوضُوا غمارَ الصعبِ لا لا تُسَالِمُوا
وَمَنْ يَلْتمِسْ بالعزمِ نيلَ مُرادِهِ؛
يَنَلْهُ ولو سُلَّتْ عليهِ الصَّوارِمُ
وَمَنْ يُبصِر الأَضْواءَ تِلقاءَ قلبهِ؛
يَرَ الدَّربَ لو ليلٌ علَى الأُفْقِ قَاتِمُ
ومَنْ يَرْمِ طَيْرَ الشُّؤمِ يَنْظُرْ ورَاءَهُ؛
يُلَاقِهِ فَأْلُ السَّعِدِ يَخْسَى التَّشَاؤُمُ
ومَنْ كانَ يَستقوِيْ بِرَبِّي فَعُمْرُهُ؛
يَعِشْهُ كنصرٍ لم تَشُبْهُ الهزائِمُ
حياتُكَ يَا هَذَا لَيَالٍ قَلِيْلَةٌ
فَلَا تَسْرِقَنْهَا مِنْ يَدَيْكَ “المآتِمُ”
أسامة حامد سراي