قيل : مرّ رجلٌ أشميط (كثير الشيب ) بإمراة عجيبة في الجمال فقال : ياهذه إن كان لكِ زوج فبارك الله لكِ فيه ،وإلا فأخبرينا، فقالت : كأنك تخطبني قال : نعم ،فقالت : إن في لعيباً ،قال : وماهو،قالت: شيباً في رأسي ، فثنى عنان فرسه فقالت : على رسلِك فلا والله مابلغت عشرين سنه ، ولارأيت في رأسي شعرةٌ بيضاء ولكنني أحببت أن أعلمك إني أكره منك مثلما تكره مني فأنشد :
رأين الغواني الشيب لاح بمفرقي
فأعرضن عنّي بالخدود النواضرِ
ِ
فكانت هذه القصيدة معارضة للقصة :
“إن الذي قد راعكُم في حالنا”
النَّاقِصَاتُ عُقولُهُنَّ غَلَبْنَنَا
ماذا إذا لَوْ كُنَّ مُكْتَمِلاتِ
يُشْعلنَّ نار الحَربِ من دَمعِ الندى
يُطْفِئنَها لو شِئْن بِالبَسَمَاتِ
وَيُذِبنَ صَبرَ الروحِ في أجسامِنا
ويَذُبْنَ شَوقًا غيرَ مُحتَرِقاتِ
يأسِرنَ قلب المرءِ في قيد المُنى
وجُنودهنّ رَسائلُ اللَّحظاتِ
يَرمينَ بالحَدَقِ النِّعاسِ قُلوبَنا
وعيونهنَّ عُيونُ مُنهَزِمَاتِ
°°°
وَلقدْ فُتِنتُ بفَرطِ وَجدِ صَبيةٍ
بَدرُ التمامِ بَهيّةُ القَسمَاتِ
بَيضاءُ مِثل الياسمينِ ، نَقيَّةٌ
كتَنَفُّسِ الإصباحِ بالنّسَمَاتِ
وأعَزّ مِنهَا للحديث،ِ فلم أجِدْ
أبدا ولا دفْعًا إلى الشُّبُهاتِ
رَاودتُها في بَسمةٍ فاستعصَمتْ
وتَملَّصَتْ مَذعورةَ الخُطُوَاتِ.
فسألتُها باللهِ بَعدَ توجُّسٍ
ولهيب صَبٍّ مُضْرِمٌ برُفاتيٍ
أتُراكِ زوجٌ ليسَ يرجى وصْلها
أمْ فيكِ مُلتَمسٌ إلى الرّغباتِ
قالت: أما والله لستُ بِثَيِّبٍ
بِكرٌ حَصَانُ الجَهرِ والخلواتِ
لكنَّ بعضَ الشَّيبَ حاصرَ مِفرقِي
وكأنَّهُ يزدادُ بالسَّاعاتِ
فَطَفِقْتُ من ذِكرِ المَشيبةٍ عَازفا
والنفسُ مُثقلة ٌ من الحَسَراتِ
ألجأتُها ظهري كأنِّيَّ لم أكنْ
أبدًا ولا خَاطَبتُها بحياتي
نادت: رويدكَ والذي فَلقَ النوى
ما خطَّ خيطُ في دُجى خَصْلاتي
إن الذي قد راعكم من حالنا
هوَ نفسهُ ما راعَنا بالذَّاتِ