39 – جذور ثقافية “سيرة ذاتية”
يكتبها: يحيى محمد سمونة
الفترة التي أمضيتها في خدمة العلم كانت عصيبة علي و شاقة، و كنت أعاني فيها كآبة و حزنا و توحدا، ذلك أنني كنت قد خرجت لتوي من حضن بيئة يحوطها النقاء و تكتنفها الإلفة و الوداعة و ولجت في بيئة تعج بتناقضات ليست مألوفة لدي و لم أكن أتخيلها أو أسمع بها! الأمر الذي أدى بي أن يخالف فكري سلوكي! ففيما مضى كنت أفكر حرا، و أرسم لنفسي وجهتي و سلوكي، و كنت على إلفة و ودادة مع بيئتي و وطني و أهلي الذين أنضوي تحت جناحهم، لكنني الآن أفكر بطريقة مغايرة! فبالأمس القريب كنت أقرأ أن رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا و ما فيها! و كان يتملكني آنذاك الشعور الغامر بعظمة الرباط على ثغر من ثغور الوطن للحيلولة دون انتهاك حرماته، لكنني الآن و الحالة التي أنا فيها أشعر أنني كنت أعيش أحلاما رومانسية وأنه ما من رباط و ما من مرابطة! بل هي سياسة و تسييس و مسايسة و سوس! و هذا ما جعلني أتقوقع علي ذاتي و أبتاع نفسي لنفسي عساي أبرأ لها من سلوك مهين مشين يغب و ينتقص من عزتي و كرامتي، و هذا يعني أنه يتوجب علي أن أتحين دائما الفرص السانحة لممارسة سلوكي ونهجي الذي يتفق و ما أفكر به و ما أعد له لمرحلة الوقوف عند السؤال.
[ قلت: طبعا فإن هذا الأمر يضعنا على عتبة سؤال هو غاية في الأهمية! و هو: إذا كانت البيئة التي نعيش وسطها تعج بتناقضات! فهل يؤثر ذلك على قراراتنا و ما نفكر به ؟! و هل التناقضات التي تترك بصمتها على سلوكنا ترفع عنا حرج السؤال ـ و بالذات حين يكون سلوكنا منحرفا أو قد غبيت علينا حقيقة الأمر فيه ـ ؟!]
كانت مسألة هتك القيم ـ التي هي في محل تقديس عند العديد من الناس ـ أمرا مألوفا بين يدي البيئة التي غدوت فيها! فهل يخرجني ذلك من جذوري و عهدي بالتربية التي نشأت عليها ؟!
ثمة مفارقات كثيرة و كبيرة تترك أثرا سلبيا في حياة الفرد من الناس ولا يعرف من خلالها كيف يسطر علاقاته لتكون صحيحة و سوية ولا غبار عليها و على الأخص عندما يجهل الفرد متى يكون حرا في سلوكه و بالتالي فهو مسؤول عن جميع حركاته و سكناته و متى يكون فاقدا للحرية ولا يكون مسؤولا عن سلوكه و أفعاله!
فكم من أمر لم أتمكن من البت فيه لكوني أجهل مقدار حريتي فيه و ما ينجم عنه من تبعات جراء تهاوني فيه وعدم القيام بمقتضياته و ما يلزم عنه من أوامر و نواه و ثواب و عقاب
ـ يحيى محمد سمونة. حلب