كمان اللّيل
للّيل في هذا المكانِ كَمانُ
و تغَرّبٌ في العزف و استيطانُ
و لكُلِّ شيءٍ في المكانِ إثارةٌ
و أنا المكانُ يَعُجُّ بي سُّكَانُ
لكنّ سُكّاني جراحٌ كُلّها
إلاّ أنا مِنْ بَينها الإنسانُ
أنا مثْلها جُرْحٌ أعيشُ بداخلي
مُذْ غادرتْ عن عينيَ الأوطانُ
و كأنّ هذا العزْف بَينَ جوانحي
حُزْنٌ تداعتْ نَحوهُ الأحزانُ
للّيلِ في هذا المكانِ حِكايةٌ
أُخرى،و للحدَثِ الغريبِ مكانُ
لرياحهِ لحْنانِ،لحْنٌ طافحٌ
يأساً و آخرُ والهٌ حيرانُ
هذا يُبَعْثرُ ما يُلملمُهُ الرّجا
و أخوهُ يَنْشرُ ما طوى النّسيانُ
في سقْفِ هذا اللّيلِ آهاتٌ و في
جُدرانِهِ ما تَحْملُ الجُدرانُ
صُوَرٌ و لوحاتٌ تُجَسّدُ حسْرتي
لكنْ أيُعْقلُ أنّهُ فنانُ؟
و بِصَدْرهِ شيءٌ يئنُ كأنّهُ
دِيْني يُشَرِّحُ جِسْمَهُ الإيمانُ
و لصَمْتِهِ لُغَةٌ تُغَرِّبُ فَهْمَها
أُذنُ العذابِ و تَفْقهُ الأجفانُ
و لما وراء الصّمتِ ثورةُ مُفْعمٍ
بالنّارِ فُضّلَ عندهُ الكتمانُ
و كأنّهُ وطني تَأَسَّفَ أنّهُ
يَشْكو و ليسَ لصوتهِ آذانُ
كالفَقْدِ ما يَجِدُ التّحَسُّسُ ها هنا
كالأمسِ ماُ تَتَملكُ الأحضانُ
كالدمعِ ما كتبَتْهُ أو طَمَستْهُ أو
وهبَتْهُ أو ضمّتْ عليهِ بنانُ
و كعادةِ المأساةِ تأخُذني إلى
سفَرٍ يطولُ كأنّهُ أزمانُ
و كعادتي أبكي و يَغْتسلُ الدجى
بالدمعِ حتى تذْهبَ الأدْرانُ
و يَبينَ لي جذلُ الصباحِ و حزْنُهُ
وطنٌ جريحٌ مرهقٌ تعبانُ
هشام باشا